Page 227 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 227

‫‪225‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫وتؤدي في النهاية إلى عجز‬       ‫وهذا البزوغ للون جديد‬            ‫وقضية الإبداع ليست‬
  ‫عن الفعل‪ ،‬ينتاب الأفراد‬     ‫لا يكاد الناس يعلمون من‬       ‫بالأمر البعيد‪ ،‬والحديث عن‬
  ‫والمجتمعات‪ .‬وكباحث في‬        ‫أمره شيئًا»‪( .‬د‪.‬مصطفى‬
                               ‫سويف‪ ،‬الأسس النفسية‬            ‫الشعر والشاعر ليس من‬
‫علم النفس‪ ،‬يلخص سويف‬        ‫للإبداع الفني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار‬       ‫قبيل الترف‪ ،‬لأن المسألة‪،‬‬
‫الأزمة في اختلال يؤدي إلى‬                                     ‫فى التحليل الأخير‪ ،‬يمكن‬
                                   ‫المعارف‪ ،‬ط‪ ،٤‬ص‪)١‬‬         ‫ردها إلى قضية «التجديد»‪،‬‬
  ‫عدم القدرة على التكيف‪،‬‬     ‫ولا يقف الوعى الحضاري‬        ‫خاصة في ظل صراع محتدم‬
 ‫ومن ثم العجز عن الفعل‪.‬‬                                     ‫بين الماضي والحاضر‪ ،‬بين‬
                               ‫لدي سويف عند تأصيل‬
    ‫فالتحول من القديم إلى‬       ‫الأزمة وتشخيصها من‬                    ‫القديم والجديد‪.‬‬
   ‫الجديد يستوجب تحو ًل‬         ‫خلال تقديم رؤية كلية‬       ‫والحقيقة أن اختيارنا لكتاب‬
   ‫في طرق التكيف‪ ،‬بحيث‬       ‫لتاريخ الأزمات والمحن في‬
‫تكون هناك وسائل جديدة‬       ‫المجتمعات العربية والغربية‪،‬‬          ‫د‪.‬سويف‪ ،‬إنما يرجع‪،‬‬
 ‫تناسب التغيرات الجديدة‪،‬‬     ‫لكنه يمتد ليشمل التع ّرض‬     ‫بالإضافة لأهميته العلمية‪ ،‬إلى‬
                                ‫لموقف الناس من قضية‬        ‫أهميته الثقافية والحضارية‪.‬‬
                   ‫فنقرأ‪:‬‬     ‫التجديد‪ ،‬ومدي شعورهم‬         ‫فما يميز سويف هو حرصه‬
  ‫«‪ ..‬فالقول بأن حضارتنا‬
 ‫الحديثة قد أصابها بعض‬                 ‫بالأزمة‪ ،‬فيقول‪:‬‬        ‫على إجراء هذا الربط بين‬
                                ‫«وهناك وجه شبه آخر‬            ‫البحث العلمي من ناحية‬
   ‫الاختلاف‪ ،‬مما أدى إلى‬        ‫ربما كان أشد خفا ًء من‬      ‫وبين الواقع الحضاري من‬
    ‫انهيار بعض القيم هي‬     ‫الأول‪ ،‬ألا وهو اتجاه الناس‬    ‫ناحية أخري‪ .‬وليس أدل على‬
    ‫مظاهر الصلة بين الأنا‬     ‫نحو هذه المحن‪ ،‬وموقفهم‬        ‫ذلك مما أورده في السطور‬
                              ‫منها‪ ،‬فهم منقسمون فيما‬           ‫الأولى من التمهيد الذي‬
      ‫وعناصر البيئة‪ ،‬هذا‬     ‫بينهم إلى فريقين متباينين‪،‬‬    ‫أعده للبحث عندما سعي إلى‬
 ‫القول لا يعني أكثر من أن‬      ‫فريق يرون القديم ينهار‬        ‫تأصيل اللحظة الحضارية‬
                            ‫ولا يرون الجديد ينشأ جنبًا‬         ‫التي تعيشها المجتمعات‬
  ‫عملية التكيف التي كانت‬        ‫لجنب مع زوال القديم‪،‬‬      ‫الإنسانية المعاصرة بالرجوع‬
  ‫قد اختطت لنفسها طر ًقا‬          ‫وفريق يرون الانهيار‬      ‫إلى تاريخ الأزمات في العالم‬
   ‫معينة هي بسبيل تغيير‬       ‫ولكنهم يرون كذلك كيف‬
                             ‫تنساب بعض أجزاء القديم‬                    ‫القديم‪ ،‬فيقول‪:‬‬
     ‫هذه الطرق»‪( .‬المرجع‬         ‫في الجديد وتساهم في‬             ‫«تجتاز الحضارات في‬
           ‫السابق‪ ،‬ص‪)٥‬‬          ‫بنائه»‪( .‬الموضع نفسه)‬           ‫صورتها الحالية محنة‬
                                                           ‫قاسية تشبه تلك المحن التي‬
‫وهو يطرح فكرته في سياق‬               ‫لا شك أن اللحظة‬         ‫اجتازتها في بلاد الإغريق‬
  ‫اجتماعي نفسي إبداعي‪،‬‬          ‫الحضارية التي يضعها‬         ‫في القرن الثالث ق‪ .‬م‪ ،‬وفى‬
   ‫بمعنى أنه يمهد بكلامه‬       ‫سويف موضو ًعا للبحث‬           ‫الجزيرة العربية في القرن‬
                             ‫هي لحظة مأزومة بامتياز‪،‬‬            ‫السادس الميلادي‪ ،‬وفى‬
‫عن التجديد للحديث لا عن‬                                       ‫أوروبا في القرن الخامس‬
‫الإبداع الشعري‪ ،‬موضوع‬             ‫لأنها تحمل في طياتها‬        ‫عشر‪ .‬ووجه الشبه بينها‬
                             ‫انهيا ًرا على كافة الأصعدة‪،‬‬   ‫هو هذا التداعي الذي يصيب‬
     ‫الدراسة فحسب‪ ،‬لكن‬                                          ‫نم ًطا عري ًضا من أنماط‬
   ‫للحديث عن علم النفس‬           ‫السياسية والاجتماعية‬       ‫الحياة اعتاده الناس وألفوا‬
 ‫التجريبي‪ ،‬منهج الدراسة‪،‬‬        ‫والاقتصادية والنفسية‪،‬‬       ‫العمل والإدراك من خلاله‪،‬‬
    ‫كذلك‪ ،‬باعتباره منه ًجا‬      ‫بحيث تتضافر جميعها‪،‬‬
  ‫جدي ًدا في تناول الظاهرة‬
   ‫الفنية بعامة‪ ،‬والشعرية‬
‫بنحو خاص‪ ،‬فيقول‪ ،‬معبّ ًرا‬

     ‫عن صور التكيف مع‬
           ‫الواقع الجديد‪:‬‬
   222   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232