Page 225 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 225

‫‪223‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫ستظهر «المعاناة» من‬       ‫ما ذهبنا إليه من اعتماد‬        ‫الريبة‪ ،‬كما في خبر إنشاء‬
 ‫خلال النظر في المسودات‪،‬‬           ‫المنتج الشعري على‬            ‫معلقة عمرو بن كلثوم‪،‬‬

       ‫وسيبدو فيها المحو‬     ‫«الصنعة» والمعاناة‪ ،‬وذكر‬      ‫الذي لم يك شاع ًرا ولا يقول‬
       ‫والشطب والتعديل‬           ‫كل شاعر وص ًفا لهذه‬         ‫الشعر‪ ،‬ولما حدث ما حدث‬
  ‫والحذف وإعادة الترتيب‬                                        ‫من الحكاية الغريبة التي‬
  ‫والإضافة‪ ،‬فما فعله عبد‬       ‫المعاناة‪ ،‬والفكرة تتشابه‬     ‫تنتهي بمقتل عمرو بن هند‪،‬‬
    ‫الرحمن الشرقاوي في‬       ‫لكن التعبير عنها مختلف‪،‬‬
‫قصيدته‪ ،‬وما فعله محمود‬        ‫وسنكتفي بوصف واحد‬            ‫وقف عمرو بن كلثوم وأنشد‬
 ‫العالم الذي كتب المسودة‬                                      ‫القصيدة ارتجا ًل كما هي‬
  ‫بأكثر من قلم وأكثر من‬         ‫لها وهو للشاعر عادل‬
 ‫خط وعلى أوراق مختلفة‪،‬‬           ‫الغضبان‪ ،‬يتحدث عن‬          ‫الآن بنفس الترتيب والكلام‬
  ‫مما يؤكد أنها «جلسات»‬         ‫إنشاء قصيدة‪« :‬أبتدئ‬         ‫والصور‪ ،‬فهي بنت لحظتها‪.‬‬
       ‫وليست في «جلسة‬       ‫بنظمها في مكتبي وأستأنف‬        ‫إن مثل هذا الخبر لا يزيد عن‬
  ‫واحدة»‪ ،‬ويظهر ذلك من‬        ‫نظمها في ضميري‪ ،‬سواء‬           ‫كونه أسطورة من أساطير‬
     ‫تعديل ترتيب الأبيات‬     ‫كنت ماشيًا أو راكبًا‪ ،‬ولقد‬
      ‫والتصحيح والتغيير‬       ‫يبرز لي معنى من المعاني‬           ‫كثيرة عاشت في التراث‬
                               ‫أو قافية من القوافي وأنا‬     ‫العربي القديم‪ ،‬لا أساس لها‬
                ‫والحذف‪.‬‬      ‫أعمل عم ًل ليس بينه وبين‬
‫إن دراسة المسودات ‪-‬على‬           ‫الشعر سبب أو أحدث‬                        ‫من الصحة‪.‬‬
 ‫قلتها‪ -‬تؤكد نفس الفكرة‬         ‫أح ًدا حديثًا لا علاقة له‬   ‫وسنجد إلحاح الشعراء على‬
 ‫السابقة‪ ،‬وهي أننا بحاجة‬        ‫بالشعر‪ ،‬فإن لم أتمكن‬       ‫ترديد الصورة الشعرية التي‬
‫إلى دراسة هذه النقطة من‬          ‫من تقييد خواطري في‬
‫جديد دون الالتفات إلى ما‬     ‫وريقة أو ظرف أو رسالة‬            ‫غرستها الرمزية في الفن‪،‬‬
  ‫تردد قديما حول الإبداع‬        ‫أو على لفافة‪ ،‬أثبتها في‬        ‫وهي «مخاض القصيدة»‬
                             ‫ضميري إلى حين‪ ،‬وكثي ًرا‬
   ‫ولحظته وظروفه‪ ،‬ومن‬          ‫ما استيقظت من رقادي‬                ‫وتشبيه إنشاء الشعر‬
  ‫ثم تكون القيمة المعرفية‬    ‫وأنا أردد آخر بيت نظمته‬           ‫بحالة ولادة‪ ،‬وقد مر بك‬
 ‫العميقة لدراسة مصطفى‬         ‫أو أنطق بما يتلوه»‪ .‬فإذا‬       ‫كلام محمد مجدوب‪ ،‬وهذا‬
                               ‫أعدنا ذكر كلام الجاحظ‬       ‫وصف محمد الأسمر‪« :‬حال‬
     ‫سويف‪ ،‬تلك الدراسة‬      ‫وأن كل شيء للعرب فإنما‬            ‫الشاعر في معاناته للشعر‬
  ‫التي لو قدر لها الاكتمال‬  ‫هو بديهة وارتجال‪ ..‬وكأنه‬       ‫أشبه الأشياء بحال التي تلد‪،‬‬
                             ‫إلهام وليست هناك معاناة‬          ‫فمعاني الشاعر وصياغته‬
    ‫والاستواء لأجابت على‬    ‫ولا مكابدة ولا إجالة فكرة‬        ‫اللفظية التي تتمخض عنها‬
   ‫الكثير من الأسئلة التي‬     ‫ولا استعانة وإنما هو أن‬        ‫انفعالاته النفسية أبيا ًتا من‬
    ‫تكشف التاريخ الخفي‬       ‫يصرف وهمه إلى الكلام‪..‬‬         ‫الشعر ليست في الحقيقة إلا‬
                             ‫حتى تأتيه المعاني أرسا ًل‬        ‫ميلاد بنات أفكار الشاعر‪،‬‬
     ‫لكتابة القصيدة‪ ،‬وهو‬    ‫وتنثال عليه الألفاظ انثيا ًل‪.‬‬   ‫ولعل هذا هو السبب الأكبر‬
   ‫تاريخ يساهم في كشف‬         ‫سندرك على الفور أن هذا‬           ‫لتعصب الشاعر لشعره‪،‬‬
                            ‫الكلام جانبه الصواب‪ ،‬ولا‬
       ‫رموز القصيدة بعد‬       ‫يزيد عن كونه جد ًل للرد‬            ‫وحبه إياه‪ ،‬أ ًّيا كان هذا‬
‫نشرها‪ ،‬فلا شيء يأتي من‬                                        ‫الشعر‪ ،‬كما هو شأن الأم‬
                                       ‫على الشعوبية‪.‬‬
                    ‫فراغ‬                                           ‫والوالد مع أولاده»‪.‬‬
                                                             ‫فكرة «الولادة» هي في حد‬

                                                               ‫ذاتها دليل على «المعاناة»‬
                                                              ‫والتنقيح والمكابدة وإجالة‬
                                                              ‫الخاطر‪ ،‬وهي معان تؤكد‬
   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230