Page 230 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 230

‫العـدد ‪33‬‬          ‫‪228‬‬

                                                               ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬   ‫بالنسبة للشاعر‪ ،‬وإن ا ّدعي‬
                                                                            ‫غير ذلك‪ ،‬كما أن الواقع يثبت‬
    ‫يحلل سويف الظاهرة‬            ‫الحكم‪ ،‬واهتمت بتثقيف‬                        ‫أن كثي ًرا من الشعراء‪ ،‬الذين‬
 ‫من الناحية السيكولوجية‬       ‫أبنائها ثقافة عملية تعينهم‬
                                                                              ‫لم ينصفهم النقاد‪ ،‬حصلوا‬
                   ‫قائ ًل‪:‬‬      ‫على تحقيق الربح المادي‬                       ‫على المكانة والتقدير من قبل‬
      ‫«غير أن هذا الموقف‬     ‫والعيش الرغيد‪ ،‬وبدا المثقف‬                       ‫الجمهور‪ .‬وفي هذا السياق‪،‬‬
    ‫غير محتمل‪ ،‬ولا بد أن‬     ‫الحقيقي الذي يهتم بقضايا‬
  ‫توجد حالة توازن تضم‬                                                          ‫يتحدث سويف‪ ،‬من واقع‬
   ‫الأنا في نحن فتحقق له‬          ‫الأدب والفن والفلسفة‬                          ‫تحليله لنصوص الشاعر‬
     ‫الاستقرار‪ ،‬وليس من‬          ‫مغتر ًبا داخل مجتمع لا‬                        ‫كيتس‪ ،‬عن أهمية الشهرة‬
 ‫سبيل إلى تكوين النحن لا‬      ‫يولي هذه المجالات اهتما ًما‬                    ‫بالنسبة للشاعر التي تصل‬
 ‫مع أبناء الطبقة الدنيا ولا‬      ‫كافيًا‪ ،‬ويرى فيها نو ًعا‬                      ‫إلى حد الرغبة في أن تمتد‬
  ‫مع أبناء الطبقة الوسطى‬      ‫من الترف‪ ،‬وربما اللهو ما‬                         ‫إلى الأجيال القادمة‪ ،‬فهي‬
 ‫من العاديين‪ ،‬والسبيل إ ًذا‬    ‫دامت الثقافة لا تصب في‬                       ‫عامل مؤثر في إثبات الوجود‬
 ‫أن يتجمع هؤلاء المثقفون‬       ‫صالح شهوات البدن‪ ،‬ولا‬                         ‫في حياة الشاعر‪ ،‬وفى تأكيد‬
 ‫ذوو الثقافة الضخمة وأن‬        ‫تستجيب لمطالب الإنسان‬                         ‫الخلود بعد مماته‪ ،‬فنقرأ في‬
  ‫يقرأ بعضهم لبعض وأن‬             ‫المادية اليومية‪ .‬ونفس‬
   ‫يتذوق بعضهم لبعض‪،‬‬           ‫الشيء يمكن أن ُيقال عن‬                                       ‫هذا المعنى‪:‬‬
‫وهكذا ُوجدت الصالونات‪.‬‬            ‫الطبقات الكادحة التي‬                         ‫«‪ ..‬والشهرة طب ًعا هي أن‬
‫وحققت الصالونات «منا ًخا‬        ‫تستغرق حياتها كلها في‬                           ‫تسود «دعوته» ويتقبلها‬
‫سيكولوجيًّا صال ًحا» لحياة‬     ‫البحث عن أسباب العيش‬                             ‫أكبر عدد ممكن من أبناء‬
    ‫الأدباء‪ ،‬والنحن ما هي‬        ‫اليومية‪ ،‬التي لا تجاوز‬                     ‫المجتمع‪ ،‬إن لم يكن جميعهم‪،‬‬
    ‫إلا فلك يتحقق فيه هذا‬      ‫المأكل والمشروب والملبس‬                        ‫وقد يصل حلم الشاعر إلى‬
    ‫«المناخ» الصالح لحياة‬        ‫والمسكن‪ .‬وبهذا المعنى‪،‬‬                        ‫أن يكون مع الأجيال التي‬
     ‫الأنا‪ .‬ولم يكن الأدباء‬    ‫لن تجد‪ ،‬في الغالب‪ ،‬فيمن‬                      ‫لم توجد بعد «نحن» كما هو‬
  ‫يحتملون الانصراف عن‬          ‫ينتسبون لهاتين الطبقتين‬                        ‫واضح في النص الأول من‬
     ‫هذه الصالونات‪ .‬ففي‬          ‫من يسعى إلى أن يكون‬                           ‫بايرون‪ ،‬أما عن أن كيتس‬
  ‫خارجها الجهل والتخبط‬       ‫شاع ًرا أو فنا ًنا أو فيلسو ًفا‪.‬‬               ‫كان يورد في خطاباته بعض‬
   ‫والانصراف عن كل ما‬             ‫ولما كان الأمر على هذا‬                      ‫أجزاء من قصائده فحركة‬
   ‫يمت إلى الثقافة بصلة»‪.‬‬       ‫النحو‪ ،‬فقد ظهرت فكرة‬                        ‫من الأنا نحو الآخر واضحة‬
      ‫(ص ص‪)١٤٨-١٤٧‬‬               ‫الصالونات الأدبية التي‬
‫ويري سويف أن ما حدث‬              ‫لا تضم سوى المبدعين‬                                 ‫الدلالة»‪( .‬ص‪)١٤٦‬‬
  ‫في أوروبا القرن التاسع‬     ‫والمهتمين بالثقافة الحقيقية‪،‬‬                       ‫وفي السياق نفسه يطرح‬
   ‫عشر يصدق على مصر‬                                                          ‫سويف ظاهرة «الصالونات‬
    ‫أوائل القرن العشرين‪.‬‬           ‫بحيث يسمع بعضهم‬                            ‫الأدبية» على بساط البحث‪،‬‬
   ‫والحقيقة‪ ،‬فى نظرنا‪ ،‬أنه‬      ‫بع ًضا‪ ،‬ويتبادلون الرأي‬                         ‫باعتبارها وليدة ظروف‬
   ‫يصدق على مصر القرن‬            ‫والفكر فيما يصدر عن‬
 ‫الحادي والعشرين كذلك‪.‬‬           ‫عبقريتهم الخاصة التي‬                              ‫اجتماعية واقتصادية‬
  ‫ففي دورة تاريخية تعيد‬        ‫لا تجد الاحتفاء والتقدير‬                             ‫ونفسية‪ .‬فقد ظهرت‬
    ‫نفسها من جديد‪ ،‬يقف‬                                                            ‫الصالونات الأدبية‪ ،‬في‬
     ‫المثقف العربي بعامة‪،‬‬          ‫المناسبين من المجتمع‬                            ‫المجتمع الأوروبي‪ ،‬في‬
                                ‫الغارق في ماديته‪ ،‬خارج‬                         ‫القرن التاسع عشر عندما‬
                                                                                  ‫اعتلت الطبقة الوسطى‬
                                     ‫الصالونات‪ .‬ووف ًقا‬
                                ‫لنصوص شيلي وكيتس‪،‬‬
   225   226   227   228   229   230   231   232   233   234   235