Page 231 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 231

‫‪229‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫أقرب إليه مما كانوا من‬     ‫الانتشار الواسع‪ ،‬ومواقع‬          ‫والمصري بنحو خاص‪،‬‬
 ‫قبل‪ ،‬وقد يسرت القصيدة‬         ‫التواصل الاجتماعي ذات‬              ‫ذات الموقف المغترب‪،‬‬

   ‫هذا الاقتراب‪ ،‬وعلى هذا‬            ‫المشاهدات العالية!‬      ‫فيؤثر العزلة‪ ،‬ولا يجد من‬
   ‫الأساس يمكن أن نفسر‬          ‫ويواصل سويف رصد‬             ‫يفهمه أو يشاركه الاهتمام‬
                               ‫وتحليل الظواهر المحيطة‬
      ‫إلحاح الشاعر في أن‬       ‫بالعملية الإبداعية‪ ،‬والتي‬      ‫سوى المثقفين والمبدعين‬
  ‫يعرض أعماله علينا‪ ،‬فإن‬       ‫تعكس حاجة الشاعر إلى‬           ‫الآخرين الذين يشبهونه‪،‬‬
  ‫النحن لن تتحقق إلا بأن‬     ‫الآخر‪ .‬وتعد المرحلة التالية‬  ‫ويستشعرون الغربة نفسها‪،‬‬
   ‫يجد على الأقل «شخ ًصا‬                                  ‫خاصة في ظل تدني المستوى‬
‫يحترمه» يتلو عليه ما أبدع‬         ‫على العملية الإبداعية‬
‫على شريطة أن يتذوق هذا‬         ‫من المراحل ذات الأهمية‬          ‫العلمي والثقافي واتجاه‬
‫الشخص ما ُقدم إليه‪ ،‬وأن‬          ‫الخاصة‪ ،‬والتي لا تقل‬     ‫الإنسان العادي‪ ،‬حتى المتعلم‬
  ‫يرضى عنه»‪( .‬ص‪)١٤٨‬‬              ‫في أهميتها عن النشاط‬
‫تصدق هذه الظاهرة كثي ًرا‬                                      ‫منه‪ ،‬إلى وسائل التواصل‬
  ‫وتبرز هذه الأيام في ظل‬         ‫الإبداعي نفسه‪ ،‬بل قد‬       ‫الاجتماعي حتى ينهل منها‬
   ‫انتشار مواقع التواصل‬        ‫تصل إلى أن تكون جز ًءا‬       ‫قشور الثقافة ويتعاطى مع‬
 ‫الاجتماعي‪ ،‬حيث يحرص‬             ‫من الإبداع‪ ،‬لأنه الجزء‬      ‫توافه الأمور‪ .‬لقد تحولت‬
                               ‫الاجتماعي القيمي‪ ،‬الذي‬
     ‫الشاعر علي أن ينشر‬        ‫يضفي على العمل القيمة‬             ‫الثقافة إلى مجموعات‬
      ‫قصائده على حسابه‬      ‫والأهمية‪ ،‬ونعني بها مرحلة‬          ‫بشرية متشظية‪ ،‬تجتمع‬
     ‫على الفيس بوك أو في‬                                      ‫بانتظام في أماكن مغلقة‪،‬‬
‫«الجروبات» المتخصصة في‬                         ‫التلقي‪.‬‬      ‫نوادي أو مكتبات أو بيوت‬
  ‫الشعر‪ ،‬والتي هي بمثابة‬     ‫وتبرز أهمية التلقي‪ ،‬ودور‬     ‫للمثقفين‪ ،‬كي تعرض إنتاجها‬
  ‫صالون أدبي افتراضي‪،‬‬                                          ‫الأدبي والفني والفكري‬
      ‫وينتظر ردود أفعال‬           ‫القارئ في فهم العمل‬        ‫على الحضور من المثقفين‬
  ‫الأصدقاء من خلال عدد‬          ‫واستخلاص الدلالة من‬          ‫الآخرين لتحليلها وتذوقها‬
    ‫التفاعلات التي يحصل‬     ‫خلال مدارس النقد الحديثة‬          ‫ثم إبداء الرأي فيها‪ ،‬دون‬
  ‫عليها منشوره الشعري‪.‬‬         ‫التي اهتمت بفعل القراءة‬      ‫أن تتماس هذه الأعمال مع‬
   ‫وعلى أساس حجم هذه‬            ‫وآليات الفهم والتأويل‪.‬‬      ‫المجتمع الخارجي وقضاياه‬
    ‫التفاعلات يقيس حجم‬                                    ‫المل ّحة‪ .‬والظاهرة‪ ،‬بهذا المعنى‪،‬‬
     ‫نجاحه‪ ،‬ومدي قدرته‬           ‫وقد ُعرف‪ ،‬منذ القدم‪،‬‬           ‫تحتاج إلى إعادة تنظيم‬
  ‫على تحقيق التواصل مع‬           ‫حرص الشاعر على أن‬          ‫بحيث يعود الآخر إلى الأنا‬
                            ‫يعرض شعره على الآخرين‬             ‫ليشاركه اهتماماته داخل‬
                ‫الآخرين‪.‬‬          ‫(صديق‪ ،‬أو مجموعة‬            ‫الصالونات‪ ،‬وتخرج الأنا‬
      ‫غير أن ما يعيب هذه‬       ‫أصدقاء‪ ،‬أو ناقد) لمعرفة‬       ‫من كهفها المغلق إلى خارج‬
 ‫الطريقة هو أن الحسابات‬       ‫رأيهم ومدي تأثير إبداعه‬     ‫الصالونات كي تشارك الآخر‬
                                 ‫فيهم‪ .‬فما هو التفسير‬       ‫همومه الحياتية‪ ،‬خاصة أن‬
        ‫الشخصية يدخلها‬      ‫النفسي لهذا الحرص؟ يقول‬            ‫خلو الساحة الاجتماعية‬
  ‫الأصدقاء‪ ،‬فى الغالب‪ ،‬من‬
‫منطلق التواصل الاجتماعي‬                       ‫سويف‪:‬‬             ‫من المثقفين الحقيقيين‬
‫الخالص‪ ،‬ما يجعل المنشور‬     ‫«‪ ..‬هي محاولة بناء «نحن»‪،‬‬       ‫منح الفرصة لقليلي التعليم‬
                                                             ‫وأشباه المثقفين للسيطرة‬
      ‫الإبداعي يأخذ شكل‬          ‫فإن رضا الآخرين عن‬         ‫على عقول الناس من خلال‬
    ‫المناسبة الاجتماعية أو‬  ‫قصيدته وقبولهم لها‪ ،‬معناه‬
                                                                ‫القنوات الفضائية ذات‬
                                 ‫أن الآخرين قد تغيروا‬
                              ‫بمعنى ما‪ ،‬بحيث أصبحوا‬
   226   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236