Page 234 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 234

‫العـدد ‪33‬‬          ‫‪232‬‬

                                                                  ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬                      ‫نفسها‪.‬‬
                                                                                    ‫ولا أدل على ذلك من أن‬
 ‫فالقراءة المجردة لا تجعل‬          ‫كان لها توجيه خاص‪،‬‬                               ‫الكثيرين ممن يعشقون‬
     ‫القارئ غير الموهوب‬        ‫ودلالة خاصة وضحت في‬                               ‫الكتب ويقرأون الأدب بنهم‬
                                ‫الخطوط التي كان يضعها‬                           ‫لا يستطيعون كتابة الشعر‪،‬‬
  ‫مبد ًعا‪ ،‬لكن الموهوب هو‬                                                           ‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إن‬
‫الذي يجعل القراءة منتجة‪.‬‬            ‫تحت بعض العبارات‪،‬‬                              ‫النقاد الذين يطلعون على‬
                                   ‫والملحوظات الهامشية‬                             ‫النصوص الشعرية بنحو‬
  ‫وفي كل الأحوال يخلص‬            ‫التي كان يكتبها‪ ،‬وكذلك‬                         ‫قد يفوق الشعراء أنفسهم لا‬
   ‫سويف إلى نتيجة هامة‬         ‫العبارات والتشبيهات ذات‬                          ‫يستطيعون أن يكتبوا الشعر‬
                                 ‫الطابع الشكسبيري التي‬                            ‫إلا إذا كانت داخلهم شعلة‬
     ‫تمزج ما بين عبقرية‬           ‫كانت تظهر في خطاباته‬                           ‫الإبداع‪ ،‬التي اختلف حولها‬
   ‫الشاعر والإطار‪ ،‬بحيث‬                                                            ‫الأدباء والمن ّظرون‪ ،‬والتي‬
 ‫تستوعب الأبعاد النفسية‬                       ‫وقصائده‪.‬‬                          ‫تتميز عن أي لون من ألوان‬
                                   ‫ويمكن أن ُيقال الشيء‬                          ‫القراءة مهما كان قريبًا من‬
      ‫والاجتماعية للعملية‬          ‫نفسه بالنسبة لتوفيق‬                           ‫الشعر‪ .‬فالقراءة قد تمنحك‬
   ‫الإبداعية‪ ،‬وتصلح آلية‬       ‫الحكيم الذي لم يكن معنيًّا‬                          ‫الرؤية والأسلوب‪ ،‬لكنها‬
‫تأويلية لتفسير الكثير من‬      ‫بالحكاية في الأعمال الأدبية‬                         ‫لن تستطيع أن تجعل منك‬
‫ظواهر الفن والإبداع التي‬            ‫التي كان يقرأها‪ ،‬قدر‬                        ‫شاع ًرا إذا لم تكن كذلك منذ‬
  ‫تحدث في عالمنا المعاصر‪،‬‬         ‫عنايته بأسلوب الكتابة‬                            ‫البداية‪ .‬فالموهبة‪ ،‬عمو ًما‪،‬‬
   ‫بالرغم من بعد المسافة‬       ‫وخلق الشخصيات ونسج‬                                 ‫هي هبة إلهية يودعها الله‬
 ‫الزمنية بيننا وبين تاريخ‬      ‫الأحداث‪ ،‬وعندما أدرك أن‬                              ‫سبحانه وتعالى في قلب‬
  ‫كتابة الدراسة‪ ،‬موضوع‬        ‫غايته هي الحوار أخذ يبحث‬                            ‫المبدع‪ ،‬ولا ُتكتسب بالمران‬
    ‫مقالنا‪ ،‬ما يعكس مدى‬           ‫عنه‪ ،‬ويتتبع خطواته في‬                        ‫مهما اجتهد القارئ أو المثقف‬
   ‫خصوبتها وقدرتها على‬         ‫كل ما يقرأ‪ .‬ويقول سويف‬
‫تجاوز العصر الذي ُكتبت‬                                                                    ‫الذي يفتقر إليها‪.‬‬
                                       ‫تأكي ًدا لهذا المعني‪:‬‬                     ‫وتتضح المسألة أكثر عندما‬
                    ‫فيه‪.‬‬          ‫«‪ ..‬ومن ثم فإن قراءتي‬
      ‫أما عن النتيجة‪ ،‬فقد‬       ‫لإحدى قصص جويس أو‬                                  ‫ننتقل إلى المشكلة الثانية‪،‬‬
 ‫طرحها سويف على النحو‬             ‫فرجينيا وولف لا بد أن‬                          ‫والذي تتعلق بطريقة تنظيم‬
                                 ‫تترك لد َّي أث ًرا مغاي ًرا لما‬
                  ‫التالي‪:‬‬     ‫تتركه لدى أصدقائي الأدباء‬                           ‫الإطار‪ .‬فالقارئ الموهوب‪،‬‬
  ‫«إن مهمة الإطار كعامل‬                                                          ‫صاحب القدرة على الإبداع‪،‬‬
  ‫نوعي في عبقرية الشاعر‬            ‫الذين يقرأونها باتجاه‬                        ‫يقرأ ويتذوق ما يقرأه بنحو‬
‫لا تتضح إلا بأن نضع هذا‬           ‫خاص‪ .‬والظاهر أن هذا‬                            ‫مختلف عن القارئ العادي‪.‬‬
  ‫الإطار في بناء شخصية‬        ‫الاتجاه يكون له أثره الفعال‬                       ‫فالمبدع يقرأ على النحو الذي‬
                               ‫في جعل هذا الإطار منت ًجا‪،‬‬                      ‫يخدم أغراضه الإبداعية مثلما‬
    ‫تعاني توت ًرا دائ ًما من‬       ‫فى حين أن الأطر التي‬                         ‫يقرأ الباحث على النحو الذي‬
 ‫ضغط الحاجة إلى النحن‪.‬‬         ‫يحصل عليها غير الفنانين‬                           ‫يخدم أغراضه العلمية‪ .‬فقد‬
  ‫فإن مثل هذه الشخصية‬              ‫من تذوقهم تكون غير‬
                                 ‫منتجة»‪( .‬ص‪)١٨٢-١٨١‬‬                               ‫كان كيتس يقرأ شكسبير‬
    ‫التي تبدو مدفوعة إلى‬      ‫و ُيلاحظ أن ما ذكره سويف‬                               ‫بطريقة مختلفة عن أي‬
 ‫استعادة النحن لا بد منها‬       ‫يؤكد ما ذهبنا إليه من أن‬
                                  ‫الموهبة هي التي تصنع‬                           ‫قارئ عادي له‪ ،‬لأن قراءته‬
     ‫كأرضية يقوم فوقها‬
 ‫الإطار المبدع‪ ،‬بحيث يعين‬           ‫الإطار وليس العكس‪.‬‬
‫هذا الإطار الطريق إلى هذه‬

   ‫الاستعادة»‪( .‬ص‪)١٨٣‬‬
   229   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239