Page 220 - ميريت الثقافة رقم (33)- سبتمبر 2021
P. 220

‫العـدد ‪33‬‬          ‫‪218‬‬

                                                            ‫سبتمبر ‪٢٠٢1‬‬        ‫بطريقة مريبة‪ ،‬فيصف‬
                                                                             ‫أصحاب هذا المسلك بأن‬
   ‫ودراسة الكتب وحكاية‬           ‫ما الذي يدفع بالجاحظ إلى‬                ‫«الشعر استعبدهم واستفرغ‬
 ‫الثاني علم الأول وزيادة‬        ‫هذا الرأي‪ ،‬وأغلب الظن أنه‬                ‫مجهودهم»‪ ،‬ولا يخفى ما في‬
 ‫الثالث في علم الثاني»‪ .‬إن‬                                                 ‫العبارة من التعريض بهما‪،‬‬
 ‫َو ْض َع العبار ِة في سياقها‬     ‫يعلم أنه خطأ‪ ،‬فهو كاتب‬                   ‫وسبب هذا التعريض أنهما‬
                                 ‫ومن المؤكد أنه مر بحالات‬                   ‫من «المتكلفين» في الشعر‪،‬‬
    ‫التاريخي يوحي بأنها‬                                                    ‫والتكلف عند الجاحظ ومن‬
   ‫ملاحاة وجدل لدحض‬                ‫عقلية تسبق أي مشروع‬                   ‫شايعه تظهر له ألفاظ مرادفة‬
     ‫آراء الشعوبية‪ ،‬ولكن‬           ‫كتابي مقدم عليه‪ ،‬فلماذا‬                  ‫مثل‪ :‬الروية وإعادة النظر‬
                                                                              ‫وإجالة الفكرة والمعاناة‬
     ‫الغريب أنك تجد هذا‬             ‫ينكر ذلك على الشاعر؟‬                      ‫والمكابدة والجهد والكد‬
 ‫المعنى متداو ًل لدى كتّاب‬         ‫هذه الفقرة السابقة أتت‬                    ‫والمطاولة ورشح الجبين‬
                                    ‫في معرض المقارنة بين‬                   ‫والتمهل‪ .‬ومن الواضح أن‬
   ‫القرنين الثاني والثالث‬       ‫العرب والفرس في موضوع‬                      ‫هذه الألفاظ المندرجة تحت‬
   ‫وعلماء اللغة والنحو في‬       ‫الشعوبية‪ ،‬وكانت الشعوبية‬                   ‫التكلف‪ ،‬تؤكد وجود تاريخ‬
   ‫هذين القرنين‪ ،‬فستجد‬              ‫تعيب على العرب أمو ًرا‬                ‫خفي للقصيدة تعرضت فيه‬
‫لهم عبارات ملغزة في هذا‬            ‫كثيرة منها كيفية قولهم‬                  ‫للتنقيح والتهذيب والروية‬
‫الصدد‪ ،‬خلاصتها أنه مما‬                                                   ‫وإعادة النظر وإجالة الفكرة‪..‬‬
  ‫يعيب الشاعر أن يحتفظ‬               ‫الشعر وطقوس القول‬                       ‫إلخ‪ .‬وهذا يستغرق حو ًل‬
‫بنصه زمنًا يعيد النظر فيه‬          ‫وعلله‪ ،‬فأراد الجاحظ أن‬                    ‫عند زهير‪ ،‬من المؤكد أن‬
 ‫وينقحه‪ ،‬لأن ذلك معدود‬          ‫ينتصر للعرب بأن ربط بين‬                  ‫الصورة التي ارتضاها لنصه‬
                                   ‫التكلف والتمهل والروية‬                    ‫الذي وصل إلى مستمعه‬
     ‫عندهم من «التكلف»‬           ‫والفرس من جانب والطبع‬                     ‫بعد سنة قد تع ّرض للكثير‬
      ‫وهو أمر ‪-‬بدوره‪-‬‬               ‫والارتجال والعرب من‬                      ‫من التعديلات وكانت له‬
  ‫ُيخرج الشاع َر من الطبع‬        ‫جانب آخر‪ ،‬وابتدأ بالفرس‬
‫ويسلمه إلى التكلف‪ ،‬وعلى‬          ‫فقال‪« :‬وفي الفرس خطباء‬                        ‫«مسودات» لم تصلنا‪.‬‬
 ‫سبيل المثال ستظهر آراء‬         ‫إلا أن كل كلام للفرس وكل‬
   ‫الأصمعي َم ْع َل ًما في هذا‬   ‫معنى للعجم فإنما هو عن‬
‫السياق وسينقلها الجاحظ‬             ‫طول فكرة وعن اجتهاد‬
     ‫مؤمنًا بها‪ ،‬وستنتقل‬
  ‫عن الجاحظ َم ْن أتي من‬             ‫وخلوة وعن مشاورة‬
  ‫بعده‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪،‬‬        ‫ومعاونة وعن طول التفكر‬
 ‫يقول الجاحظ «عاب‬
   ‫[الأصمعي] شعره‬
    ‫[=الحطيئة] حين‬
   ‫وجده كله متخي ًرا‬
‫منتخبًا مستو ًيا لمكان‬
   ‫الصنعة والتكلف‪،‬‬
‫والقيام عليه»‪ ،‬وينقل‬
  ‫ابن جني هذا الرأي‬
 ‫في خصائصه ويعيد‬
     ‫صياغته فيقول‪:‬‬
‫«كان الأصمعي يعيب‬
   ‫الحطيئة ويتعقبه‪،‬‬
   215   216   217   218   219   220   221   222   223   224   225