Page 132 - merit 51
P. 132

‫فارديناند دي سوسير‬       ‫يوجد بين الخطب التي نسمعها سواء‬
                                    ‫الصادرة عن مؤسسات الرسمية أو غير‬
‫التطبيق‪ ،‬خاصة بالنسبة للمذهب‬
    ‫السني‪ ،‬وترتب عن ذلك كله‬       ‫الرسمية والواقع السياسي والاقتصادي‬
                                  ‫والاجتماعي في مجتمعنا هوة سحيقة‪،‬‬
‫مفهوم معين للحقيقة‪ ،‬وهي أنها‬
    ‫لا يمكن أن تخرج عن النص‬                ‫والأمثلة عديدة على ذلك يمكن‬
                                        ‫الاستناد إليها بالرجوع إلى ارتفاع‬
‫وعلى كيفية تطبيقه زمن انبعاثه‪،‬‬           ‫نسبة الانحراف والإجرام وهيمنة‬
‫وهي حقيقة تعتمد على اللغة لأن‬      ‫الخطاب الأخلاقي والديني‪ ،‬وهي هوة‬
                                   ‫نلاحظها أي ًضا بين النظريات والعلوم‬
    ‫مصدرها هو الوحي الإلهي‪.‬‬         ‫التي تدرس في المدارس والجامعات‬
    ‫لذلك تأسس مفهوم الحقيقة‬           ‫ومدى تطبيقها أو‪ ‬الاستفادة‪ ‬منها‪.‬‬
    ‫في الثقافة العربية الإسلامية‬
   ‫على اللغة في مفهومه الشامل‬        ‫بصحة وحقيقة ما تعلمنا وما‬            ‫ممارسة الاجتماعية‪ ،‬أن لا يتخذها‬
    ‫الذي يتجاوز الدين‪ ،‬وأصبح‬      ‫خبرنا من قيم عن طريق التربية‪،‬‬                                  ‫كمرجع؟‬
‫مرتب ًطا بنص ما‪ ،‬يكون له بمثابة‬   ‫أو ما وصلنا من معلومات سواء‬
   ‫المصدر أي المرجع الضروري‬                                                ‫فإن كان الأمر كذلك‪ ،‬كيف يمكن‬
‫لفهمه وتأويله‪ ،‬والنتيجة الحتمية‬        ‫عن طريق اللغة أو بواسطة‬                ‫ربط التجربة بسياقها الزمني‬
 ‫لذلك‪ ،‬هي أن يصبح الخطاب في‬          ‫الفرضيات العلمية والنظريات‬
  ‫أي مجال كان‪ ،‬مكتفيًا بفحواه‬       ‫التي هي تصورات وتمثل لذلك‬             ‫والمكاني أي بالواقع الذي أنتجها؟‬
‫اللغوي‪ ،‬دون حاجة إلى إخضاعه‬                                                   ‫وهو ما يجعلنا نطرح السؤال‬
‫إلى التجربة أو الانجاز أو الفعل‪.‬‬                          ‫الواقع‪.‬‬               ‫الموالي‪ :‬هل للتجارب صبغة‬
   ‫لذلك‪ ،‬يوجد بين الخطب التي‬        ‫وما وصلنا من أخبار وأحاديث‬
    ‫نسمعها سواء الصادرة عن‬           ‫حول تطبيق النصوص الدينية‬              ‫جماعية بحيث يمكن تعميمها؛ أم‬
     ‫مؤسسات الرسمية أو غير‬        ‫من المسلمين الأوائل‪ ،‬كان متص ًل‬         ‫هي خاصة بمن عاشها ومارسها؟‬
     ‫الرسمية والواقع السياسي‬
                                      ‫بظروف تاريخية معينة‪ ،‬مثل‬                 ‫وكيف يمكن النظر للعالم من‬
      ‫والاقتصادي والاجتماعي‬         ‫الأحكام المتعلقة بالجهاد والرق‬         ‫منظور المخزون اللغوي المشترك‬
      ‫في مجتمعنا هوة سحيقة‪،‬‬                                                 ‫بين جماعة ما دون الالتجاء إلى‬
  ‫والأمثلة عديدة على ذلك يمكن‬           ‫وتطبيق الحدود‪ ،‬ولا يمكن‬            ‫العلوم مثل الرياضيات والفيزياء‬
   ‫الاستناد إليها بالرجوع ‪-‬على‬    ‫قراءتها طبق مقاييسنا المعاصرة‪،‬‬
  ‫سبيل المثال‪ -‬إلى ارتفاع نسبة‬     ‫علاوة على ضرورة إعادة النظر‬                 ‫والكيمياء‪ ،‬ثم إخضاع جميع‬
                                   ‫فيها من وجهة نظر موضوعية‪،‬‬                    ‫الفرضيات المنبثقة عنها إلى‬
                                                                              ‫التجربة لمعرفة مدى صحتها؟‬
                                                 ‫علمية‪ ،‬تاريخية‪.‬‬                ‫فالتجربة‪ ،‬باعتبارها سلو ًكا‬
                                      ‫إلا أنها اعتبرت مرج ًعا مت ِّم ًما‬      ‫يضعنا في مواجهة مع الواقع‬
                                                                            ‫كما هو‪ ،‬هي الكفيلة بأن تخبرنا‬
                                       ‫للنصوص الدينية من حيث‬
   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137