Page 115 - merit 54
P. 115

‫نون النسوة ‪1 1 3‬‬

‫فيلفريدو باريتو‬   ‫كارل ماركس‬                           ‫التهكم؛ فـ فارس بك لم ينجح في زواجه‪ ،‬وظل‬
                                                       ‫يكتب مقالاته المناهضة للحكم في جريدة الفجر‬
 ‫تتسم بالدونية‪ ،‬فكان رضوان بك البلبيسي يقول‬           ‫تحت اسم ُمستعار‪ ،‬ولم يستطع أن يكون فار ًسا‬
   ‫لولده فارس بك «الفلاحين طيبين لكن أخطر‬            ‫لحبيبته جميلة‪ ،‬ووقف في المنطقة الرمادية بين‬
                                                   ‫الانسحاب والطاعة‪ ،‬ولاغرابة في ذلك؛ فالمجتمعات‬
 ‫حاجة لو تطاوع قلبك وتحسن إليهم‪ ،‬لأنهم لو‬          ‫العربية يشيع فيها النمط (المتراجع‪ /‬المتحين) الذي‬
   ‫شبعوا يركبهم الكسل والنمردة ويحرنوا على‬           ‫يجمع في سلوكياته بين النمط الانسحابي والنمط‬
                                                   ‫المُطيع‪ ،‬وهو ما يعكس لنا شخصيته السلبية المشتته‬
     ‫الشغل‪ ،‬دول ما يشتغلوش إلا لو خافوا من‬           ‫غير القادرة على المواجهة واتخاذ القرار‪ ،‬والخائفة‬
‫الجوع»‪ُ ،‬هنا يتضح (المعنى السيكولوجي للتسلط)‬         ‫أي ًضا من الدخول في حال (صراع) مع الأب رمز‬
                                                      ‫ال ُسلطة العائلية‪ ،‬مما أدى به إلى الوقوع في دائرة‬
   ‫الذي يشير إلى وجود استعداد عام لدى المتسلط‬      ‫التناقض الوجداني‪ ،‬ففي بعض الأحوال ُتعاق حرية‬
‫يدفعه للتحمس إلى تأييد التفوق الطبقي وتمجيد من‬      ‫(الأنا) بفعل (التثبيت) عند بعض الأهداف الطفلية‪،‬‬
                                                    ‫وفي أحيان أخرى يتطور السلوك إلى دفاع‪ ،‬ويكون‬
  ‫هو أقوى‪ ،‬وبكونه طار بالنعش ل ُيقام له مقام على‬     ‫ظهور الحاجة الغريزية مصحو ًبا بانفعالات أليمة‪،‬‬
          ‫اعتبار أنه ولي من أولياء الله الصالحين‪.‬‬   ‫وفي هذه الحالة تستعين (الأنا) بآليات لا شعورية‬

‫يدفعنا ذلك في محاولاتنا لفهم الشخصية التسلطية‬                                  ‫بهدف خفض التوتر‪.‬‬
    ‫في الرواية إلى ذكر عالم الاجتماع باريتو الذي‬      ‫وكذلك اسم رضوان بك البلبيسي الفاسد الذي‬
                                                     ‫مات مقتو ًل في غرفة بنت من بنات الليل‪ ،‬جاء من‬
 ‫استخدم مفهوم (النخبة) ليقابل به مفهوم (الطبقة‬         ‫باب التهكم؛ فهو الذي اتخذ من أمواله ومنصبه‬
     ‫الحاكمة) كما صاغه كارل ماركس‪ ،‬فيرى أن‬            ‫وسائل لإشباع رغباته وتحقيق نزواته‪ ،‬وتوارى‬
                                                    ‫خلف السياسة لتحقيق مصالحة‪ ،‬فيبدو في ظاهره‬
 ‫القائد الذي يحصل على السلطة ويتعود ممارستها‬       ‫سياسيًّا وفي باطنه انتهاز ًّيا‪ ،‬فالسياسي اللاأخلاقي‬
 ‫يجد صعوبة في النزول عنها؛ فيزداد إيما ًنا بنفسه‪،‬‬      ‫لا يكتفي بتحقيق مصالحه بل يتعداها للعبث في‬
                                                    ‫ُحرمات الآخرين‪ ،‬ولا يأبه لأنات الشباب الذين قام‬
     ‫ويبالغ في عظمته‪ ،‬ثم يلجا في النهاية إلى نسب‬   ‫بتسليمهم لل ُسلطات لخدمة ميدان المعركة البريطانية‬
                          ‫التنظيم إليه وربطه به‪.‬‬      ‫التركية على أرض فلسطين والفلوجة مقابل عدم‬
                                                     ‫ُمصادرة أراضيه‪ ،‬على اعتبار أن الأفراد الذين يتم‬
       ‫نلاحظ أي ًضا أن (التسلطية) التي اتسم بها‬    ‫اختيارهم ككباش فداء يجب أن لا يكون بمقدورهم‬
   ‫رضوان بك البلبيسي تعود إلى أساليب المعاملة‬       ‫الرد عن الأسى الذي قد يلحق بهم؛ وفي ذلك يقول‬
                                                     ‫فارس عنه أنه كان «مشغو ًل بمزادات الأراضي‬

                                                        ‫والعبيد والمجوهرات وأحوال البورصة‪ ،‬لم‬
                                                        ‫يحفظ للبيت حرمته ولم يكن مخل ًصا حتى‬
                                                     ‫لأصدقائه»؛ ولأنه في أى (موقف تسلطي) يكون‬

                                                          ‫(المتسلط) في مركز القوة؛ لذا فإن الأفراد لا‬
                                                     ‫يستطيعون النيل منه‪ ،‬يقول عنه أهالي الكفر «كل‬
                                                    ‫ما فعله البيه للسوالمة هو أنه قصر استغلالهم‬

                                                       ‫عليه وحده»؛ ذلك أن (ال ُسلطة السياسية) وما‬
                                                        ‫تمثله من قوة جعلته ينظر لكل من حوله نظرة‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120