Page 111 - merit 54
P. 111

‫نون النسوة ‪1 0 9‬‬                                       ‫نحو الحرية في التعبير‪ ،‬لتنافس في السردية العربية‬
                                                         ‫على أساس الموضوع‪ ،‬والفكرة لا على أساس اللغة‪،‬‬
 ‫يطير‪ ،‬وصارت موتورة من الأرض التي يزرعونها‪،‬‬
    ‫التي ابتلع طينها ولدها‪ ،‬ومن الترعة التي تروي‬           ‫وفراغ المحتوى‪ ،‬وتكاد تقترب نو ًعا من سياسة‬
    ‫زرعهم‪ ،‬وضرعهم‪ ،‬كما من دارها التي يهف كل‬              ‫المنفلوطي السردية‪ ،‬إذ ركز على البرهنة‪ ،‬والقوالب‬
                     ‫شبر فيها برائحة يونس»(‪.)10‬‬           ‫الموضوعية أكثر من برهنته على النسق التعبيري‪،‬‬
    ‫تشهر عن أفكارها أو عن أحداث الرواية باللجوء‬        ‫يقول عنه عبد الله إبراهيم‪« :‬أما فيما يخص العرض‬
   ‫إلى العالم الاجتماعي‪ ،‬الذي تنبثق منه شخصيات‬
   ‫الرواية‪ ،‬وتدور حوله الأحداث‪ ،‬فيكون هذا الواقع‬           ‫الذي قدمه المنفلوطي للقصص المعربة التي يعيد‬
      ‫الريفي سلطة قيمية‪ ،‬يعبر عنها حقل الزراعة‪،‬‬         ‫إنتاجها على وفق رغبته‪ ،‬فإنه لم يكن يشغل بالبناء‬
                                                        ‫الفني‪ ،‬بل كان مشغو ًل أو ًل وقبل كل شيء بتقرير‬
‫والمفردات الأخرى‪ :‬أرض‪ ،‬طين‪ ،‬ترعة‪ ،‬ضرع‪ ،‬شبر‪،‬‬
    ‫فانضوى في هذا الحقل الدلالي عدد من المفردات‬               ‫المعاني التي يهمه ترويجها والدفاع عنها»(‪.)8‬‬
                                                           ‫لم تتخلص الكاتبة من سطوة الحداثة‪ ،‬إذ تمثلت‬
  ‫الدلالية النازلة فيه‪ ،‬والمقتربة الاستعمال‪ ،‬مما تؤثر‬    ‫بعض هيمنة الحداثة على نصوصها‪ ،‬إذ أفادت من‬
‫على صياغة المشهد السردي‪ ،‬ومناقشة زمان الرواية‬              ‫اللفظ العربي والدخيل (المقترض)‪ ،‬حينما تقارن‬
                                                        ‫بين سعاد وضرتها صافيناز‪ ،‬إذ تؤول ثقافة سعاد‬
   ‫الذي يتحاور مع علاقة الإنجليز بالسلطة العربية‬          ‫إلى الثقافة الزراعية‪ ،‬والجاهلة بمعول الحداثة على‬
                             ‫(البكوات) في مصر‪.‬‬         ‫العكس من الثانية التي يتشح اسمها بوشاح الحداثة‬
                                                           ‫قبل سلوكها‪ ،‬فتعبر عن أنها تتقن لغة الإتيكيت‪،‬‬
  ‫في ضفة أخرى عكست اللغة حياة المجتمع الحاكم‪،‬‬              ‫فاكتفت بلفة دخيلة‪ ،‬بقيت كما هي دونما ترجمة‬
   ‫والباذخ‪ ،‬بوصفه سلطة على المجتمع‪ ،‬أو البوصلة‬          ‫«ماذا تقول عن ضرتها صافيناز التي سعت للتودد‬
    ‫الأخرى من بوصلتين تشتغل عليهما الرواية في‬              ‫إليها‪ ،‬فلم تج ِن سوى تأفف الهانم ‪-‬مما اعتبرته‬
                                                         ‫جه ًل‪ -‬سعاد الفلاحة بالاتيكيت واللياقة وتعمدها‬
       ‫فكرة الصراع بين المجتمع اليومي (الشعب)‪،‬‬
    ‫والمجتمع السلطوي‪ ،‬أو على أساس الصراع بين‬                      ‫إغاظتها بسطوتها على خدم السراية»(‪.)9‬‬
    ‫الأنا (المجتمعية)‪ ،‬والآخر السلطوي (السياسي)‪،‬‬       ‫ثمة ارتباط وثيق الصلة بين موضوعي اللغة والفكر‬
     ‫فاستدعت بع ًضا مما يدلل عليه من قبيل‪ :‬البيه‪،‬‬
      ‫الشيخ سالم الكبير‪« ،‬وفي الليل تهرول إلى قبر‬         ‫الذي تناقشه الروائية في روايتها‪ ،‬إذ جاءت لغتها‬
‫يونس‪ ،‬لذا همس البيه في أثناء مروره على الترعة في‬             ‫عاكسة لحياتين‪ ،‬حياة المجتمع العادي‪ ،‬وحياة‬
‫أذن الشيخ سالم الكبير‪ ،‬الذي تسنَّد على عكازة حتى‬                                        ‫المجتمع الحاكم‪.‬‬
    ‫وصل دار شفاعة‪ ،‬فدق الباب بالعكاز‪ ،‬وقال قبل‬
 ‫أن تفتح‪ :‬قبل طلعة الشمس تكوني لميتي خلقاتك يا‬             ‫وقد رصدت بع ًضا من الخطاب اللغوي الخاص‬
                                                            ‫بالمجتمع‪ ،‬ما يمكن تصنيفه حق ًل دلاليًّا‪ ،‬فعنده‬
                   ‫بنية‪ ..‬فكرت أن تعتذر للبيه»(‪.)11‬‬      ‫نمط من المفردات‪ ،‬تتأسس على عالم القرية‪ ،‬وعالم‬
     ‫يتبين في ضوء علاقة السلطة بالفرد‪ ،‬أن الدور‬             ‫الزراعة‪ ،‬حينما تحكي لنا أحدا ًثا تخص شفاعة‬
   ‫السيادي للسلطة جاء عمود ًّيا يشطر الخط الأفقي‬           ‫(الشخصية الرئيسة الثانية في الرواية‪ ،‬بوصفها‬
‫(المجتمع)‪ ،‬المغلوب على أمره‪ ،‬لتأتي الروائية منساقة‬       ‫خادمة في سرايا رضوان بيك)‪ ،‬ومن تلك الأحداث‬
       ‫مع المنظور السردي عند بول ريكور في فهمه‬              ‫موت وليدها (يونس)‪ ،‬واهتمام زوجها محمود‬
‫للسياسة‪ ،‬فيعرفها على أنها «مجموعة من الممارسات‬           ‫بها‪ ،‬فتغدو هذه الشخصية قلقلة‪ ،‬فتنبري الروائية‬
  ‫المنظمة‪ ،‬المتعلقة بتوزيع السلطة السياسية‪ ،‬المسمى‬         ‫لتصوير ذلك القلق «في لحظة مغافلة للألم تفكر‬
     ‫بطريقة أفضل السيطرة‪ ،‬هذه الممارسات تتعلق‬           ‫بما قيل عن كرامة البيه‪ ،‬فتحاول أن تبتلع دهشتها‪،‬‬
‫بالعلاقة العمودية بين الحاكمين والمحكومين‪ ،‬وكذلك‬            ‫وتتساءل إن كان بإمكانها أن تعزو أحد أسباب‬
‫بالعلاقة الأفقية بين المجموعات المتنافسة على توزيع‬     ‫هذه الكرامة إلى موقفه النبيل معها إبان موت ولدها‬
                                                       ‫(يونس) أيام الفيضان الكبير‪ ،‬عندما أوشك عقلها أن‬
                           ‫السلطة السياسية»(‪.)12‬‬
      ‫يأتي الاستعمال اللهجي دا ًّل من دوال الهوية‪،‬‬
   ‫والاعتداد بها‪ ،‬إذ يقودها التأليف المضمر إلى ذلك‪،‬‬
   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116