Page 117 - merit 54
P. 117

‫نون النسوة ‪1 1 5‬‬                                       ‫أخت رضوان بك‪ ،‬والتي أنقذها من لدغة عقرب‪،‬‬
                                                         ‫وكان يتسلق أسوار السرايا ليراها‪ ،‬وشخصية‬
‫ويقول لها ورب الكعبة يامولاتي‪ ،‬الجميل جميل‬
‫بذاته‪ ،‬والحبيب حبيب لذاته»‪ ،‬وشخصية عدنان‬              ‫متولى الذي أحب ليلى ابنة رضوان بك البلبيسي‬
‫الكردي الع َّواد الذي استعان به ل ُيحيي السهرات في‬   ‫وتزوجها بعد انفصالها عن الضابط مدكور‪ ،‬والذي‬

  ‫السرايا‪ ،‬والذي حكى ذات ليلة عن عائلته المتشبثة‬       ‫كان دائم التساؤل «إلى أى مدى يكون الإنسان‬
     ‫بالتقاليد إلى حد الاستهانة بعشقه لفتاة تنتمي‬        ‫مخي ًرا؟ إنه ليس ابن بيه مثل فارس وليس‬
                                                     ‫قو ًّيا فتوة مثل همام‪ ،‬حلم بأن يكون أزهر ًّيا‪ ،‬ثم‬
‫لعائلة ذات مذهب مختلف‪ ،‬فيقرر الرحيل والعزوف‬             ‫وجد نفسه هائ ًما في حلقات الذكر مع مشايخ‬
                               ‫نهائيًّا عن الزواج‪.‬‬       ‫الطرق‪ ،‬غنى في الموالد والمقاهي ثم انتهى إلى‬
                                                     ‫الأراجوز‪ ،‬لم يشعر بالذنب لأنه تزوج ليلى بنت‬
      ‫لذلك نجد أن كل شخصيات الرجال المُحبة لم‬        ‫رضوان بك البلبيسي وأحبها‪ ،‬ويناديها مولاتي‪،‬‬
     ‫تستطع الاستقلال والتمتع بحرية الحياة‪ ،‬لأن‬
 ‫(الجمعنة) خاصية أساسية من خصائص المجتمع‬

       ‫البدائي؛ حيث يكون الفرد مجرد صورة من‬
    ‫الجماعة التي ينتمي إليها‪ ،‬كما أن الحرية ُتعتبر‬

      ‫حك ًرا على فئات المجتمع التي تتسم بالسيادة‪،‬‬
   ‫ومع وجود هذه الحرية لم يكن مسمو ًحا للأفراد‬
    ‫بالخروج عن معايير الجماعة وقيمها؛ فالرجولة‬
 ‫ليست مجرد مسألة خلافية في أحداث الرواية؛ لأن‬
    ‫الإنسان لا ُيخلق رج ًل؛ بل يصير رج ًل‪ ،‬وحتى‬
  ‫إن ُخلق رج ًل فلن تكون حياته إلا نضا ًل دائبًا في‬
  ‫سبيل أن يبقى كذلك‪ ،‬ولا رجولة بلا دليل‪ ،‬ودليل‬
 ‫الغياب يعادل دليل الحضور كما رأينا في شخصية‬

       ‫فارس بك‪ ،‬والتاريخ ُيثبت لنا أن الفرد ليس‬
   ‫ح ًّرا كل الحرية في تصرفاته؛ فهو ُمقيد بماضيه‬

                   ‫ومنقسم تتناحر قواه الداخلية‪.‬‬
     ‫وعليه فإن (الصراع) بين نزعتين ينتهى دائ ًما‬
‫بـ(كبت) إحداهما‪ ،‬إلا أن (النزعات المكبوتة) تحاول‬
  ‫الظهور من جديد والتعبير عن نفسها بعدة طرق‪،‬‬
  ‫منها‪ :‬إحراقه لبدلة أبيه‪ ،‬ومشاركته في المظاهرات‪،‬‬
      ‫وكتابة المقالات السياسية باسم مستعار‪ُ .‬هنا‬
  ‫يفسر علماء النفس التحليليين (ال ُعصاب) على أنه‬
     ‫محاولة غير ناضجة للتوافق مع الواقع‪ ،‬والأم‬
    ‫سعاد هانم لم تنتصر أي ًضا في نهاية الأحداث‪،‬‬
     ‫بل استطاعت فقط أن تنقل وجهات نظرها عن‬
 ‫المجتمع وعن الشخصيات السلطوية اس ًما ومعنًى‪،‬‬
 ‫وحاولت فضح الخلل المسيطر على عقول البسطاء‪،‬‬
   ‫وانجرافهم وراء الخرافة والأسطورة‪ ،‬من خلال‬

                  ‫الإشارة والتدليل والترميز فقط‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122