Page 125 - merit 54
P. 125

‫نون النسوة ‪1 2 3‬‬

‫محمد مندور‬        ‫فارديناند دي سوسير‬                       ‫على حل المشاكل التي تواجه الإنسان‪ .‬وقامت‬
                                                         ‫الكاتبة بالتعريف ووصف ناجح لدرب السوالمة‬
    ‫بل وكذلك دور الفن على مر العصور في التأثير‬
 ‫على الشعب والسلطة‪ ،‬لدرجة أنه قد أزعج الضابط‬                   ‫وأفعالهم في مشهدية المكان والأشخاص‪.‬‬
                                                        ‫وهناك مظاهر أنثروبولوجية فنية وتهتم بصور‬
     ‫مدكور بما يقدمه في مواجهة استبداده وظلمه‬        ‫الأعمال الفنية الموجودة في ذلك الوقت‪ ،‬وهو تعريف‬
 ‫للمتظاهرين‪( .‬ص‪« )٣٤٢‬مدكور ينظر بغيظ لمتولي‬            ‫معرفي كبير للفن الشعبي مثل فن الأراجوز الذي‬
                                                        ‫كان منتش ًرا في هذه الفترة الزمنية وكان وسيلة‬
                                       ‫الخائف‪:‬‬          ‫للترفيه‪ ،‬وكان لها تأثيرها على المشاهدين‪ .‬متولي‬
‫‪ -‬إنت كمان ارفع إيديك يا أراجوز الكلب‪ .‬بقى انت‬          ‫صديق همام هو الفنان الذي كان يحرك عروسة‬
                                                     ‫الأراجوز‪ ،‬نقرأ (ص‪« )١٧١‬عينان كحيلتان وحاجبان‬
      ‫يا اللي ما تسواش تلاتة أبيض تجرسني أنا»‪.‬‬       ‫هلاليان في وجه مثلث‪ ،‬ينتمي لرأس يغطيه طرطور‬
   ‫وكذلك هناك فن آخر اهتمت بسرده الكاتبة وهو‬           ‫أحمر‪ ،‬هو أراجوز يخرج منه صوت ذو «خنفة»‪..‬‬
    ‫الغناء الذي نثرته بدقة في السرد‪ ،‬ليعطي إيقا ًعا‬       ‫وجه مشابه «أم أراجوز» برأس يغطيه «منديل‬
   ‫موسيقيًّا محببًا واستراحة روحية للمتلقي بعي ًدا‬
   ‫عن الصراعات والأحزان والألم والموت‪ .‬نقرأ على‬           ‫بأوية»‪ :‬بتقول إيه يا ابن العبيطة! حاميها طلع‬
‫سبيل المثال (ص‪« )١٤٥‬حياني يا بلح حياني والبلح‬        ‫حراميها يا امه‪ .‬يوه طيب ده حتى الحرامي الشاطر‬
 ‫طرح‪ ..‬حياني»‪ .‬و(ص‪« )٨٩‬ثم تتذكر لحنًا ينساب‬          ‫ما يسرقش من حارته‪ .‬حارته مين يا امه! البلد كلها‬
 ‫في جوارحها‪ :‬الله يصون دولة حسنك‪ ..‬على الدوام‬
‫من غير زوال‪ ..‬ويصون فؤادي من جفنك‪ ..‬ماضي‬                                                      ‫اتنهبت‬
                                                     ‫يا داهية دقي! هع مين هناك؟ يظهر وجه الشاويش‬
      ‫الحسام من غير قتال»‪ .‬و(ص‪« )٩١‬كنت فين‬
 ‫والحب فين؟ يفارق الحظ عين‪ .‬تصغي لدور «كنت‬              ‫بشاربه المبروم وحاجبيه العريضين تحت طاقية‬
                                                     ‫الشوشان‪ ،‬يبادره أراجوز‪ :‬لا هع ولا يحزنون‪ .‬إنت‬
            ‫فين» لعبده الحامولي‪ ،‬بصوت عدنان»‪.‬‬
  ‫و(ص‪« )١٥٢‬خامس سنة أيوب بقى‪ ..‬رق الغلال‬               ‫اتكشفت خلاص يا عسعس‪ .‬عامل روحك حاميها‬
    ‫والدود من جسمه طرح ولا الثرى‪ ..‬تنط الدودة‬                      ‫وانت حراميها‪ ..‬وأبو حراميها كمان‪.‬‬
   ‫من جسمه تيجي ف الخلا‪ ..‬يلمها بإيده الشريفة‬
                                                             ‫يخطف العصا من الشاويش ويضربه بها‪:‬‬
                                                                                        ‫‪ -‬آاااي آاااي‪.‬‬

                                                                          ‫تنطلق ضحكات المشاهدين»‪.‬‬
                                                     ‫ونجد وص ًفا أنثروبولوجيًّا لهذا الفن التراثي القديم‬
                                                      ‫وما به من وصف لشكل الأراجوز‪ ،‬وموهبة متولي‬

                                                         ‫في كتابة القصة والغناء وتحريك الأراجوز‪ .‬كل‬
                                                          ‫ذلك سردته الكاتبة للتعريف بهذا الفن ويعطي‬
                                                      ‫بع ًدا فنيًّا وثرا ًء معرفيًّا للسرد‪ ،‬وذلك في خلق عالم‬
                                                          ‫آخر داخل عالم الرواية‪ ،‬كأن هناك ن ًّصا داخل‬
                                                       ‫النص وعلى المتلقي أن يجده‪ .‬فالسرد ليس وص ًفا‬
                                                       ‫لحالة الإنسان الفنان أو الغني أو الفقير الشريف‬
                                                      ‫أو اللص‪ ،‬الشعب أو المحتل‪ ،‬إنما هي عوالم مختلفة‬
                                                        ‫تعيش فيها الشخصيات وتلتقي في نقاط حددتها‬
                                                      ‫الكاتبة في الوقت المناسب‪ ،‬فيشعر المتلقي بالدهشة‬
                                                      ‫دلالة أن هذا المجتمع المثال يمثل العالم كله‪ ،‬ويلتقي‬
                                                     ‫البشر كلهم في النهاية في نقطة واحدة هامة ألا وهي‬

                                                                                           ‫الإنسانية‪.‬‬
   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129   130