Page 124 - merit 54
P. 124

‫العـدد ‪54‬‬   ‫‪122‬‬

                                                      ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

      ‫الطائرة والتبرك بالأضرحة (ص‪« )٥‬نعوش‬                ‫(ص‪« )٢٣٠‬بعد أن دفن ولده ‪-‬نعمان‪ -‬استقدم‬
   ‫الأسلاف التي طارت‪ ،‬مثل نعش «الشيخ عامر»‬            ‫نصير الدين‪ ،‬من بلد في طرف آسيا الجنوبي‪ ،‬شتلة‬
  ‫الناسك الذي اعتزل متاع الدنيا أكثر من عشرين‬           ‫ستصبح شجرة ضخمة فروعها كثيرة الانتشار‪..‬‬
   ‫عا ًما‪ ،‬وأقام وحي ًدا في كهفه بقرية «كوم الجمر»‬    ‫وأزهارها صفراء‪ ..‬تبرز منها الأقلام بشكل واضح‬
                                                      ‫مكونة عنقو ًدا يشبه الذقن أو اللحية‪ ،‬كما تجتمع في‬
     ‫المجاورة‪ ،‬حتى وافته المنية فطار نعشه وعجز‬
     ‫مشيعوه عن اللحاق به»‪ .‬وكذلك «نعش «ستنا‬             ‫نوارات إبطيه متدلية ذات عبير آسر»‪ ،‬كل ذلك في‬
 ‫الندية» السيدة «زهيرة» الذي أبى أن يتحرك نحو‬                  ‫وصف أنثروبولوجي للشجرة وتاريخها‪.‬‬
    ‫المقابر‪ ،‬وأرغم حامليه على التحرك نحو الفلاة‪،‬‬
     ‫حتى توقف عند جبل «العميان» وأرغمهم على‬             ‫ذلك يدل على ثقافة كبيرة للكاتبة‪ ،‬وكذلك وأنها قد‬
   ‫دفنها هناك وتشييد ضريح»‪ .‬تبين هذه الأفعال‬           ‫يمكن أن تكون قد رأتها رؤية بصرية من قبل‪ ،‬بما‬
‫تأثر تلك المجتمعات بهذه الأفكار وما بها من لجوء‬
   ‫الناس لما يريح أنفسهم‪ ،‬سواء أكان هذا وليًّا من‬        ‫في ذلك من معايشة قريبة محتملة لهذه الشجرة‪.‬‬
‫الأولياء أم لا‪ ،‬وتبين ثقافة الأفراد‪ ،‬ونجد هنا سر ًدا‬    ‫ومع بداية سرد الرواية نجد حدث وفاة «رضوان‬
  ‫أنثروبولوجيًّا لهذه الأفعال والأحداث التي ترتبط‬     ‫بيه البلبيسي» الذي له سلطة ونفوذ ويستخدم ذلك‬
                                                        ‫لمصلحته‪ ،‬وحتي لو وصل الأمر إلي ظلم الفلاحين‬
                                    ‫بهذا المكان‪.‬‬         ‫في «درب السوالمة» الذي من اسمه يدل علي أنهم‬
  ‫وكذلك عادات وتقاليد لمراسم العزاء التي تمت في‬       ‫يريدون العيش في سلام يصل إلي الاستسلام‪ ،‬نقرأ‬
                                                      ‫(ص‪« )١٥٢‬اندهشت من سطوة فكرة (الصبر) على‬
    ‫السراي‪ ،‬من وصول المعزيين ودوران صواني‬
     ‫القهوة والبكاء والنحيب والنميمة الجانبية عن‬         ‫أذهان السوالمة‪ ،‬عدته استسلا ًما وانهزامية ع َّززا‬
    ‫الوفاة وطيران النعش‪( ،‬ص‪« )١٧‬تنهض البنت‬                ‫استهداف البلد من قبل الغزاة والمحتلين على مر‬
‫«قمر» لتستعجل صينية القهوة‪ ،‬فيما تتلقف وجيدة‬             ‫العصور»‪ .‬وما صحب وفاته من موروث شعبي‬
   ‫سعاد في حضنها‪ ،‬وتنخرطان في نحيب مكتوم‪،‬‬                 ‫في أن رأى وسمع من كان يسير في الجنازة من‬
  ‫المرحوم غالي بس ما يغلاش على اللي خلقه شدي‬           ‫المشيعين «هتاف الشيخ «دياب» إمام المسجد‪« :‬إنما‬
 ‫حيلك يا سعاد هانم»‪ .‬و(ص‪« )٦١‬على إيقاع تلاوة‬            ‫الكرامة في الاستقامة»‪ ،‬ويلمح النعش وهو يسبق‬
 ‫الشيخ «عبد العال المراغي» لسورة الأنعام‪ ،‬يجلس‬          ‫المشيعين‪ ..‬النعش طار» (ص‪ .)٥‬وما تبع ذلك من‬
   ‫فارس أفندي ساه ًما محا ًطا بوفود المعزين التي‬        ‫انحراف النعش ووصوله إلي شجرة اللبخ‪ ،‬وعدم‬
‫تتجدد مع نهاية كل ربع»‪ ،‬و(ص‪« )٦٢‬في أفراحهم‬             ‫تحركه وإصرار حسنين على بناء ضريح لرضوان‬
                                                      ‫بيه يتبرك به‪ ،‬ورغم أنه يعرف كيف مات لكنه يريد‬
                    ‫يأكلون وفي مآتمهم يأكلون»‪،‬‬          ‫بقاء ما يذ ِّكر أهل السوالمة به ويرمز إلى حضوره‬
  ‫وعادات وتقاليد أخرى مثل سبوع المولود عندما‬           ‫المستمر‪ .‬نقرأ (ص‪« )٢٣٠‬بينما يراقب حركة البناء‬
                                                       ‫الشاب‪ ،‬ثم يتراجع خطوات ليشاهد موقع المقام في‬
    ‫رزق رضوان وسناء بولدهما فارس (ص‪)٢٠‬‬                   ‫خريطة الدرب‪ ،‬يتنهد بارتياح لكونه يشرف على‬
     ‫«يأمر بمد الولائم يوم سبوعه‪ ،‬وبالترفيه عن‬        ‫الديار التي تقع في خلفيتها‪ ..‬ستقع المئذنة في مرمي‬
   ‫الفلاحين بالغناء والرقص‪ ،‬وفيما هي تعبر فوق‬
     ‫المبخرة حاضنة وليدها إلى صدرها‪ ،‬على إيقاع‬                                               ‫البصر»‪.‬‬
 ‫صوت «الداية»‪ ،‬تعاود سعاد الخطو‪ ،‬بظه ٍر منح ٍن‪:‬‬        ‫وذلك الموروث كذلك من التبرك بالأضرحة‪ ،‬ولو لم‬
‫والخامسة حصوة في عين كل من شافه ولا صلى»‪.‬‬             ‫يعرف أهل البلد هل المدفون يستحق هذه الكرامة أم‬
  ‫كل هذا في رسم السرد لعالم له مقوماته وعاداته‬        ‫لا‪ ،‬نقرأ (ص‪« )٢٣١‬البركة التي ستعم على البلد من‬
‫بشخصياته التي لها سماتها التفاعلية والحضورية‬          ‫وجود مقام للولي سيدي رضوان بيه يقصده الخلق‬
  ‫والحضارية في بنية السرد‪ ،‬ومحاولة المتلقي فهم‬        ‫من كل حد وصوب للزيارة والدعاء والتبرك وتقديم‬
‫هذا المجتمع وفهم الإنسان وطبيعته وتطوره‪ ،‬وفهم‬
‫الممارسات البشرية والتعلم منها‪ ،‬ومن ذلك تساعد‬                                                ‫النذور»‪،‬‬
                                                        ‫وكذلك سرد أحداث مماثلة رسخت فكرة النعوش‬
   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129