Page 172 - merit 54
P. 172

‫العـدد ‪54‬‬                             ‫‪170‬‬

                              ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬                         ‫نفكر بشكل مختلف عن‬
                                                                ‫أسلافنا والبشر الأقدمين‬
     ‫البشري العصر ُّي كانوا‬   ‫النياندرتال‪ ،‬ما زل ُت منده ًشا‬
   ‫يعيشون في أوروبا وعبر‬       ‫من المفاجآت التي واجهناها‪.‬‬           ‫الذين واجهوهم‪ .‬كان‬
    ‫أوراسيا‪ ،‬وأنه بينما مات‬   ‫بعد أن وجد ُت أول دليل على‬       ‫النياندرتال يشبهوننا أكثر‬
  ‫العديد من السكان الهجين‬     ‫التزاوج بين إنسان نياندرتال‬     ‫مما كنا نتخيل‪ ،‬وربما كانوا‬
‫في نهاية المطاف‪ ،‬نجا البعض‬                                    ‫قادرين على الإتيان بالعديد‬
 ‫وأدى إلى ظهور أعداد كبيرة‬          ‫والبشر العصريين‪ ،‬ما‬       ‫من السلوكيات التي نربطها‬
  ‫من الناس اليوم‪ .‬نحن نعلم‬          ‫زلت أشعر بالكوابيس‬
    ‫الآن تقريبًا متى انفصلت‬         ‫التي تل ِّمح بأن النتيجة‬    ‫عاد ًة بالبشر العصريين‪.‬‬
 ‫السلالات البشرية العصرية‬         ‫هي نوع من الخطأ‪ .‬لكن‬         ‫يجب أن يكون هناك تبادل‬
    ‫والنياندرتالية‪ .‬نحن نعلم‬   ‫البيانات متسقة بشدة‪ :‬تبين‬       ‫ثقافي رافق المزيج‪ ،‬روايات‬
 ‫الآن أي ًضا أنه عندما عاودت‬      ‫تزاوج النياندرتال في كل‬
                                ‫مكان‪ .‬بينما نواصل القيام‬         ‫«وليام جولدنج» و»جان‬
      ‫هذه الأنساب الاتصال‬         ‫بالعمل الوراث ِّي‪ ،‬نواصل‬       ‫أويل» كانت على حق في‬
 ‫بعضها البعض‪ ،‬تطورت إلى‬          ‫مواجهة المزيد والمزيد من‬        ‫إثارة هذه اللقاءات‪ .‬نحن‬
 ‫حد أنها كانت في أقصى حد‬        ‫الأنماط التي تعكس التأثير‬        ‫نعلم أي ًضا أن هناك إر ًثا‬
‫من التوافق البيولوجي‪ .‬وهذا‬    ‫الاستثنائي لهذا التزاوج على‬      ‫بيولوجيًّا تركه النياندرتال‬
                                ‫جينومات الأشخاص الذين‬           ‫لغير الأفارقة‪ ،‬بما في ذلك‬
              ‫يطرح سؤا ًل‪:‬‬         ‫يعيشون اليوم‪ .‬لذا‪ ،‬قيَّد‬    ‫جينات التكيف مع البيئات‬
  ‫هل كان إنسان النياندرتال‬     ‫السجل الجيني أيدينا‪ .‬فبد ًل‬      ‫الأوراسية المختلفة‪ ،‬وهو‬
‫هم البشر الأقدمين الوحيدين‬       ‫من تأكيد توقعات العلماء‪،‬‬        ‫موضوع سنعود إليه في‬
  ‫الذين تداخلوا مع أسلافنا؟‬   ‫أنتج مفاجآت‪ .‬نحن نعلم الآن‬
   ‫أم كان هناك تهجين كبير‬     ‫أن سكان نياندرتال‪ /‬الهجين‬                   ‫الفصل التالي‪.‬‬
                                                                 ‫في ختام مشروع جينوم‬
           ‫آخر في ماضينا؟‬

                                                                    ‫الهوامش‪:‬‬

      ‫(*) فصل من كتاب عالم الأنثروبولوجي والأحياء الجزيئية‪ ،‬الأمريكي “ديفيد َر ْيك” (‪)David Reich‬‬
      ‫والمعنون بـ”من نحن وكيف وصلنا هنا‪ :‬ثورة الحمض النووي القديم والعلم الجديد لماضي البشرية”‪،‬‬

                               ‫ترجمة‪ :‬طارق فراج‪ ،‬والمنتظر صدوره عن المركز القومي المصري للترجمة‪.‬‬
‫(**) يعد البروفيسور ديفيد َريك‪ ،‬من قسم علم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفارد ومعهد هوارد هيوز‬

     ‫الطبي‪ ،‬رائ ًدا في تحليل الحمض النووي البشري القديم للتعرف على الماضي‪ .‬في عام ‪ 2015‬صنفته مجلة‬
‫‪ Nature‬على أنه واحد من «أفضل عشرة علماء في مجاله»‪ ،‬لمساهمته في تحويل بيانات الحمض النووي القديم‬
‫«من البحث شديد التخصص إلى عملية بحث علمية بسيطة»‪ .‬حصل على العديد من الجوائز‪ ،‬بما في ذلك جائزة‬
‫دان ديفيد لعام ‪ 2017‬في العلوم الأثرية والطبيعية‪ ،‬لتميزه في مشاريع المحاكاة الجزيئية المتقدمة والتعلم الآلي‬

   ‫والحوسبة الكمومية وتطوير أدوات ومنهجيات جديدة لاكتشاف الاختلاط بين إنسان نياندرتال والإنسان‬
                                                                                          ‫العصري‪.‬‬

    ‫(***) حواء الميتوكوندرية هو الاسم الذي أطلق على امرأة افتراضية تعتبر السلف المشترك بين جميع‬
 ‫البشرية‪ ،‬وقد تأكد وجودها من خلال دراسة تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة الحادثة في “دنا المتق َّدرات»‬

    ‫في أناس من مختلف أنحاء الأرض‪ ،‬وتبين لهم أن هناك خطوط متق َّدرات تجمع بين جميع سكان الأرض‪.‬‬
   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176   177