Page 178 - merit 54
P. 178

‫في أمر الناس‪ ،‬وهذه خصلة‬                ‫أدى نزوع السلطة إلى التحكم‬
    ‫صنعها تاريخ طويل من‬             ‫والتجبر على هذا النحو إلى وجود‬
                                ‫غابة من التشريعات‪ ،‬تتناقض أحيا ًنا‪،‬‬
‫العلاقة بين الطرفين‪ ،‬اتسمت‬          ‫ويعطل بعضها بع ًضا‪ .‬وتوحشت‬
    ‫بكثير من الشك والريبة‪.‬‬        ‫هذه الغابة إلى درجة أن العاملين‬

 ‫وهي ترجع في جزء منها إلى‬             ‫عليها من المحامين والقضاة لا‬
 ‫أن السلطة في مصر‪ ،‬وج َّراء‬         ‫يلمون أحيا ًنا بكل القوانين التي‬
 ‫الاستبداد المتواصل‪ ،‬تتدخل‬
                                      ‫تتوالد بلا توقف‪ ،‬ما اضطر وزارة‬
    ‫في مختلف تفاصيل حياة‬         ‫العدل إلى العمل على ربط المحاكم‬
   ‫أفراد الشعب‪ ،‬غير مكتفية‬
‫بوضع القواعد العامة‪ ،‬وترك‬            ‫إلكترون ًّيا‪ ،‬بحيث يقف القاضي أو‬
   ‫النزعات الفردية والحوافز‬      ‫وكيل النائب العام أو المحامي على‬
    ‫الذاتية الإيجابية تعمل في‬
                                                  ‫آخر تحديث للقوانين‪.‬‬
             ‫حرية واقتدار‪.‬‬
  ‫وقد أدى نزوع السلطة إلى‬         ‫وأغاني ومواويل وحكايات‬      ‫هو حلال وما هو حرام‪ ،‬أو‬
                                  ‫وأساطير وخرافات وسير‪،‬‬        ‫انهمكوا في حل المعضلات‬
     ‫التحكم والتجبر على هذا‬
    ‫النحو إلى وجود غابة من‬             ‫منثورة أو مشعورة‪،‬‬           ‫الحياتية المتوالية التي‬
 ‫التشريعات‪ ،‬تتناقض أحيا ًنا‪،‬‬         ‫وطقوس وألعاب‪ ،‬وكلها‬      ‫تعترض طريقهم‪ .‬ويجدون‬
                                 ‫تتفاعل في الأذهان‪ ،‬وتصنع‬
      ‫ويعطل بعضها بع ًضا‪.‬‬         ‫معايير قيمية أو تصورات‬        ‫في الإحالة إلى الدين ن ًّصا‬
    ‫وتوحشت هذه الغابة إلى‬                                     ‫ظاه ًرا‪ ،‬وتأوي ًل منضطبًا أو‬
 ‫درجة أن العاملين عليها من‬             ‫متماسكة‪ ،‬يحيل إليها‬    ‫مفر ًطا‪ ،‬أو أقوال للأقدمين‪،‬‬
  ‫المحامين والقضاة لا يلمون‬           ‫المصريون في تفكيرهم‬
    ‫أحيا ًنا بكل القوانين التي‬  ‫وتعبيرهم‪ .‬وهذا المأثور ذائب‬     ‫أو رو ًحا عامة‪ ،‬أو تل ُّم ًسا‬
 ‫تتوالد بلا توقف‪ ،‬ما اضطر‬         ‫في الثقافة العامة‪ ،‬يستدعيه‬  ‫لما يعتقدون أنه يرضى الله‬
  ‫وزارة العدل إلى العمل على‬      ‫الناس في كثير من المواقف‪،‬‬    ‫عنه‪ ،‬فرصة لتقديم الحلول‪،‬‬
‫ربط المحاكم إلكترونيًّا‪ ،‬بحيث‬        ‫ويبني كثير منهم رؤاه‬      ‫أو ترطيب الضمائر حيال‬
‫يقف القاضي أو وكيل النائب‬             ‫وتصوراته من خلاله‪.‬‬      ‫ما يقولونه ويفعلونه‪ ،‬وهم‬
   ‫العام أو المحامي على آخر‬
                                        ‫‪ -4‬موقف السلطة‬          ‫يدبرون أمورهم اليومية‪.‬‬
           ‫تحديث للقوانين‪.‬‬       ‫السياسية‪ :‬فالمصري يضع‬            ‫‪ -3‬حضور الموروث‪:‬‬
     ‫هذا لا يعني بالضرورة‬         ‫في اعتباره دو ًما موقف من‬
   ‫أن المصري يطيع كل أمر‪،‬‬        ‫يحكمون الدولة‪ ،‬ويتحكمون‬      ‫فالقريحة والمخيلة الشعبية‬
     ‫ويلتزم بكل قانون‪ ،‬لكنه‬                                         ‫المصرية عموما ثرية‬
   ‫يفكر‪ ،‬طوال الوقت‪ ،‬في ألا‬
 ‫يودي به انتهاك القانون‪ ،‬أو‬                                   ‫بالمأثورات من أمثال و ِح ْكم‬
‫اختراق القواعد‪ ،‬أو عدم تنفيذ‬
    ‫الأوامر‪ ،‬إلى الوقوع تحت‬
  ‫طائلة المساءلة أو المحاسبة‬
 ‫أو العقاب‪ .‬ويحل المصريون‬
 ‫هذه المعضلة بالتحايل‪ ،‬وهو‬
   ‫القيمة المركزية الكبرى في‬
   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183