Page 179 - merit 54
P. 179

‫‪177‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

               ‫انسلخ منها‪.‬‬      ‫عزوف الجماهير عن المشاركة في الفعاليات السياسية في مصر‬
‫وهذا النوع من الضبط يستند‬
                                    ‫المفتوحة على ما يفعلونه‪،‬‬    ‫حياتهم‪ ،‬فهم يتركون السلطة‬
    ‫إلى قيم وتصورات تذوب‬         ‫وآذنها المشنفة دو ًما إلى كل‬       ‫تدبر ما تشاء‪ ،‬وتفعل ما‬
    ‫في المجال العام‪ ،‬وتصبح‬       ‫ما يقولونه‪ ،‬فإن عزموا على‬
 ‫جز ًءا من الثقافة السائدة‪ ،‬أو‬   ‫قول شيء أو فعله‪ ،‬حضرت‬          ‫تريد‪ ،‬عبر تشريعات وقوانين‬
  ‫ال ِعلم العام‪ .‬وفي المجتمعات‬                                         ‫وأوامر ونوا ٍه وخطط‬
 ‫البسيطة‪ ،‬التي تقوم العلاقة‬            ‫هذه السلطة بقوانينها‬
 ‫فيها على الوجه للوجه‪ ،‬حيث‬              ‫وإجراءتها وأوامرها‬           ‫وبرامج‪ ،‬ثم يلتفون على‬
‫يعرف الناس بعضهم البعض‬               ‫وسلوكها المعتاد‪ ،‬فمثلت‬       ‫كل هذا‪ ،‬أو يبحثون عن أي‬
  ‫في القرى والنجوع وبعض‬         ‫رد ًعا للكثيرين‪ ،‬وسببًا للتهكم‬   ‫ثغرات فيه ويستغلونها‪ ،‬إن‬
    ‫الأحياء الشعبية في المدن‬         ‫والسخرية والتمرد عن‬        ‫وجدوا فيه ما يؤثر سلبًا على‬
    ‫مث ًل‪ ،‬يلعب كبار السن أو‬
‫الوجهاء أو الممكنين اجتماعيًّا‬                      ‫آخرين‪.‬‬              ‫مصالحهم المباشرة‪.‬‬
   ‫دو ًرا بار ًزا في تحقيق هذا‬      ‫‪ -5‬الضبط الاجتماعي‪:‬‬           ‫ويلجأ قطاع من المصريين‬
    ‫الضبط‪ ،‬والذي يكون على‬          ‫فأغلب الناس ينظرون إلى‬          ‫إلى الجناح الذي يتعاملون‬
‫الصغار أن يفكروا من خلاله‪،‬‬          ‫ما يشين أو يزين‪ ،‬أو ما‬        ‫معه من السلطة‪ ،‬متمث ًل في‬
  ‫أو يضعوه في حسبانهم إن‬            ‫هو عيب وما ليس كذلك‪،‬‬        ‫البيروقراطية‪ ،‬في تحقيق هذا‬
      ‫فكروا وقرروا ودبروا‪.‬‬           ‫أو ما يجلب الرضا وما‬        ‫التحايل‪ ،‬فيقدمون في سبيل‬
‫‪ -6‬عطاء التعليم‪ :‬فالمدارس‬          ‫يصنع السخط‪ ،‬من خلال‬
     ‫والجامعات تساهم‪ ،‬من‬         ‫الموقف العام للمجتمع‪ ،‬الذي‬          ‫هذا رشاوى للموظفين‪،‬‬
     ‫دون شك‪ ،‬عبر مناهجها‬           ‫َتك َّون عبر تقاليد وأعراف‬        ‫أو يلجؤون إلى متنفذين‬
 ‫وفرص التفاعل التي تتيحها‬            ‫رسخت بمرور السنين‪،‬‬           ‫داخل السلطة من أقارب أو‬
    ‫للملتحقين بها‪ ،‬في طرائق‬      ‫وصارت مرجعية يعود إليها‬          ‫معارف‪ ،‬ليتدخلوا من أجل‬
     ‫تفكير هؤلاء‪ .‬فالمحتوى‬          ‫الفرد‪ ،‬ويخشى من النبذ‬       ‫تخفيف وطأة تدابير السلطة‬
    ‫التعليمي ينطوي على قيم‬        ‫أو الاستهجان والاستبعاد‪،‬‬
    ‫معينة‪ ،‬ويقدم قدوات من‬          ‫إن تمرد أو خرج عليها أو‬                      ‫على الناس‪.‬‬
  ‫التاريخ السياسي والحربي‬                                       ‫ويتمتع المصريون بحساسية‬
    ‫والعلمي والفكري‪ ،‬ويمد‬                                        ‫مفرطة حيال السلطة‪ ،‬فتحل‬
‫الدارس بالمعلومات والمعارف‬
‫التي تساعده على النظر جي ًدا‬                                        ‫في نفوسهم دو ًما عيونها‬
 ‫إلى ذاته ومجتمعه‪ ،‬وتصوره‬

            ‫عن العالم حوله‪.‬‬
   ‫ومهما كان التعليم ضعي ًفا‬
   ‫أو متهافتًا فإن تأثيره على‬
‫المتعلمين مسألة لا مراء فيها‪،‬‬
‫فهو على الأقل قد يمد كثيرين‬
‫بأدوات تفكير‪ ،‬ويجعلهم أكثر‬
‫قدرة على التعبير عما يريدون‬
   ‫قوله‪ ،‬أو يجعلهم متمكنين‬
   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184