Page 187 - merit 54
P. 187

‫‪185‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫مراجعة‪ :‬حسين علي شعيب‪،‬‬               ‫تواجه أي دراس لنظرية‬                          ‫والحكم‪.‬‬
 ‫بيروت‪ :‬دار الأمير‪،2004 ،‬‬           ‫النخب‪ ،‬هو انفصال خطاب‬        ‫أما الطريق الثاني فهو طريق‬
                                  ‫النخب عن جمهوره الطبيعي‪.‬‬
            ‫صص‪)86 -85‬‬             ‫ويظهر هذا الانفصال واض ًحا‬       ‫غير مباشر‪ ،‬ويتمثل عندما‬
    ‫ويقسم شريعتي النباهة‬                                         ‫يتجه خطاب النخب إلى كل ما‬
  ‫إلى نوعين‪« :‬نباهة فردية»‪،‬‬           ‫عندما يكون الجمهور في‬      ‫هو قديم وماضوي وتقليدي‪،‬‬
  ‫و»نباهة اجتماعية»‪ .‬الأولى‬           ‫أزمة طاحنة مث ًل‪ ،‬فيبتعد‬
‫تتعل ُق بوعي الإنسان بالنسبة‬         ‫خطاب النخب عن معالجة‬          ‫مع محاول تجميله وصبغه‬
‫إلى نفسه وإمكاناته وقدراته‪.‬‬        ‫هذه الأزمة‪ ،‬وبالتالي ينفصل‬        ‫بصبغة عصرية‪ .‬وخطاب‬
  ‫وتتعلق الثانية بوعي أفراد‬        ‫الخطاب عن الجمهور نفسه‪،‬‬
‫المجتمع بحقوقهم الاجتماعية‬         ‫أعني عن المشكلات الحقيقية‬      ‫النخب في هذه الحالة يكرس‬
   ‫والسياسية والاقتصادية‪،‬‬            ‫التي تعاني منها الجماهير‬       ‫للتخلف والرجعية وغياب‬
‫والوعي بما يحدث في الخفاء‬             ‫وقضاياها وهمومها التي‬
   ‫والعلن‪ .‬وبالتالي فإن وعي‬                                        ‫العقل النقدي‪ ،‬بحيث يعيش‬
  ‫الإنسان بالنسبة إلى نفسه‪،‬‬                          ‫تؤرقها‪.‬‬          ‫المجتمع مقل ًدا لغيره على‬
    ‫وحقوقه‪ ،‬وواجباته تجاه‬             ‫وفي هذا الإطار يمكننا أن‬       ‫جميع المستويات الثقافية‬
 ‫مجتمعه هو الذي يساهم في‬             ‫نستحضر «علي شريعتي»‬              ‫والاجتماعية والسياسية‬
    ‫بناء مجتمع صحي سليم‬
   ‫وا ٍع‪ .‬فالشيء الذي ينجي‬             ‫(‪ ،)1977 -1933‬حيث‬           ‫والدينية‪ ..‬إلخ‪ ،‬وهو ما من‬
 ‫الإنسان والمجتمع من شؤم‬          ‫يطرح فكرة يسميها «مجتمع‬             ‫شأنه أن يجعل المجتمع‬

      ‫الاستنزاف الفكري في‬            ‫النباهة» في مقابل «مجتمع‬        ‫راك ًدا متحج ًرا‪ .‬إن خطاب‬
   ‫طريقته القديمة والحديثة‪،‬‬             ‫الاستحمار»‪ .‬فإذ تبدو‬        ‫النخب في مثل هذه الحالة‬
 ‫هو النباهة الفردية‪ ،‬والنباهة‬          ‫(النباهة) مرتبطة بوعي‬
‫الاجتماعية‪( .‬صص‪،91 -90‬‬                                                ‫ُيسلِّم بصحة كل ما هو‬
                                   ‫الإنسان بوجوده في الحياة‪،‬‬      ‫قديم‪ ،‬وإلى الحد الذي يصل‬
                      ‫‪)97‬‬               ‫وبالظروف الاجتماعية‬
        ‫وعندما َي ْفق ُد المجتمع‬                                     ‫معه الإعجاب بالقديم في‬
    ‫هاتين النباهتين‪ ،‬أو تغيبا‬         ‫والسياسية والاقتصادية‬         ‫بعض الأحيان إلى التفخيم‬
     ‫عنه‪ ،‬يصير وف ًقا لتعبير‬          ‫المحيطة به‪ ،‬على المستوى‬     ‫وإضفاء طابع القدسية عليه‪،‬‬
        ‫«شريعتي» (مجتم ًعا‬           ‫الفردي‪ ،‬والاجتماعي‪ ،‬فإن‬       ‫رغم كونه ُمن َت ًجا بشر ًّيا في‬
   ‫استحمار ًّيا)‪ ،‬والاستحمار‬          ‫النباهة هنا تفيد «المعرفة‬    ‫الأساس‪ .‬وبالتالي لا تصبح‬
‫َي ْعنِي «تزييف ذهن الإنسان‪،‬‬       ‫النفسية أو الدراية الموجودة‬       ‫العلاقة بين سلطة القديم‬
 ‫ووعيه وتحريف مساره عن‬                                              ‫‪-‬وخصو ًصا سلطة النص‬
    ‫النباهة الفردية‪ ،‬والنباهة‬            ‫عند الفرد بالنسبة إلى‬   ‫القديم‪ -‬وبين الفرد والمجتمع‬
      ‫الاجتماعية»‪ .‬ومن هذا‬            ‫نفسه‪ ،‬وهي فوق معرفة‬          ‫علاقة جدلية‪ ،‬وإنما تصبح‬
  ‫المنطلق فإن أي دافع يعمل‬           ‫الفلسفة والعلم والصنعة؛‬
   ‫على تحريف ذهن الفرد أو‬          ‫لأن الأخيرة معرفة‪ ،‬وليست‬           ‫علاقة سيد وعبد‪ ،‬فاعل‬
‫الجماعة عن هاتين النباهتين‪،‬‬           ‫معرفة نفسية؛ أي ليست‬           ‫ومفعول به‪ ،‬مؤثر وتابع‪.‬‬
 ‫هو دافع استحمار‪ ،‬وإن كان‬           ‫الشيء الذي يريني نفسي‪،‬‬          ‫وكثي ًرا ما يظهر هذا النوع‬
    ‫من أكثر الدوافع قدسية‪،‬‬           ‫فيع ِّرفني ذاتي‪ ،‬أو الشيء‬       ‫من الخطاب النخبوي في‬
   ‫ويضرب «شريعتي» مثا ًل‬          ‫الذي يلفت انتباهي إلى قدري‬      ‫الدول بعد الهزائم السياسية‬
                                      ‫وقيمتي»‪( .‬علي شريعتي‪:‬‬      ‫والعسكرية‪ ،‬ولا أدل على ذلك‬
                                  ‫النباهة والاستحمار‪ ،‬ترجمة‪:‬‬       ‫من خطاب النخبة في ألمانيا‬
                                   ‫هادي السيد ياسين‪ ،‬دراسة‬          ‫النازية‪ ،‬وإيطاليا الفاشية‪،‬‬
                                  ‫وتعليق‪ :‬عبد الرزاق الجبران‪،‬‬    ‫وفي مصر بعد هزيمة ‪..1967‬‬

                                                                                        ‫إلخ‪.‬‬
                                                                      ‫ومن المحاور المهمة التي‬
   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192