Page 191 - merit 54
P. 191

‫‪189‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫فما دام القاهرون لا ُيؤمنون‬          ‫حفرة الحزبية الجماعية‬               ‫فيؤنبه ضميره‪ ،‬وتحثه‬
  ‫بأسلوب الحوار والتعاون‬           ‫التي ُتحولهم إلى جماعات‬            ‫الدراية الاجتماعية على أن‬
    ‫والمشاركة‪ ،‬فإننا نجدهم‬         ‫ُم ْست َغلَّة»‪( .‬باولو فرايري‪:‬‬  ‫يرد حقوق الناس إليهم‪ ،‬وأن‬
  ‫لا يستهدفون في علاقتهم‬            ‫تعليم المقهورين‪ ،‬ترجمة‪:‬‬           ‫يستسمحهم فيما فرط في‬
    ‫بال َم ْقهورين إلا هزيمتهم‬   ‫يوسف نور عوض‪ ،‬بيروت‪:‬‬               ‫جانبهم‪ ،‬فيجد دعاة الخطاب‬
 ‫بكل الأدوات العنيفة المتاحة‬       ‫دار القلم‪ ،1980 ،‬ص‪)45‬‬               ‫الاستحماري يقولون له‪:‬‬
  ‫لهم‪ .‬فهدفهم هو السيطرة‬                                            ‫إن هناك طري ًقا أسهل‪ ،‬وهو‬
       ‫على عقول ال َم ْقهورين‬        ‫ومن هذا المنطلق يذهب‬              ‫أن تصلي في اليوم خمس‬
  ‫وتجريدهم من إحساسهم‬              ‫«فرايري» إلى أن القاهرين‬        ‫مرات‪ ،‬وبعدها‪ ،‬لا يبقى عليك‬
 ‫بالعالم الذين يعيشون فيه‪،‬‬         ‫يستهدفون دو ًما إخضاع‬              ‫شيء‪ ،‬و َس ُت ْغ َفر لك ذنوبك‬
 ‫وبذلك يتمكنون من تحقيق‬           ‫ال َم ْقهورين‪ ،‬وذلك عن طريق‬      ‫كلها وستنال الشفاعة والعفو‬
        ‫مصالحهم الخاصة‪.‬‬                                              ‫والرحمة! (المصدر السابق‪،‬‬
  ‫‪ -2‬التفريق (أو التشتت)‪:‬‬           ‫تحريف وعيهم بواقعهم‬
       ‫فما دام القاهرون في‬           ‫الاجتماعي‪ ،‬وتضليلهم‪،‬‬                     ‫صص‪)113 -111‬‬
    ‫المجتمع هم الأقلية‪ ،‬التي‬    ‫وتعطيل قدراتهم على الإبداع‪،‬‬            ‫وفي هذا الإطار يمكن أن‬
                                  ‫وتعميق الهوة التي تفصل‬             ‫نتذكر أي ًضا المفكر التربوي‬
‫ُتخضع الأغلبية (ال َم ْقهورين)‬   ‫بين تفكيرهم المشترك‪ .‬ومن‬          ‫والفيلسوف البرازيلي «باولو‬
     ‫لسيطرتها‪ ،‬فإن بقاءهم‬         ‫أجل ذلك‪ ،‬يتخذون وسائل‬                ‫فرايري» ‪Paulo Freire‬‬
                                ‫من بينها العزل الثقافي‪ ،‬الذي‬          ‫(‪ ،)1997 -1921‬صاحب‬
   ‫في الحكم ُمرتبِط بقدرتهم‬        ‫يوحي للناس أن القاهرين‬               ‫كتاب «تعليم ال َم ْقهورين»‬
  ‫على تجزئة الناس وتفريق‬                                             ‫(‪ ،)1970‬والذي ُيح ِّدد فيه‬
                                       ‫يقومون بمساعدتهم‪.‬‬                 ‫المعالم الرئيسة لفلسفة‬
       ‫كلمتهم‪ .‬ومن َث َّم فهم‬      ‫ومن أخطر وسائل العزل‬                 ‫التحرير‪ ،‬وهو ينظر إلى‬
   ‫يستخدمون وسيلة « َف ِّرق‬                                           ‫التحرير بوصفه ممارسة‬
                                      ‫الثقافي‪ ،‬هو ما يقوم به‬        ‫جماعية يقوم بها ال َم ْقهورون‬
       ‫تسد»؛ ليحافظوا على‬        ‫بعض المُ َتخ ِّصصين‪ ،‬والذين‬            ‫أنفسهم من أجل تجاوز‬
   ‫وضعهم السلطوي‪ .‬وهم‬              ‫يركزون فكرهم في قضايا‬           ‫مجتمع القهر وإحلال المجتمع‬
 ‫يتخذون وسائل شتي‪ ،‬من‬                                               ‫الذي تتحقق فيه إنسانيتهم‪.‬‬
  ‫بينها «القهر»‪ ،‬و»التضليل‬          ‫جانبية وجزئية يحجبون‬              ‫كما يذهب إلى أن التحرير‬
                                  ‫بها الناس عن رؤية الواقع‬             ‫الحقيقي يستلزم انخراط‬
                 ‫الفكري»‪.‬‬          ‫في صورته الشاملة‪ ،‬فذلك‬
 ‫‪ -3‬التلاعب (أو الاحتيال)‪:‬‬       ‫ضرب من ضروب التجزئة‬                      ‫ال َم ْقهورين والفقراء في‬
‫والتلاعب وسيلة من وسائل‬                                            ‫النضال الثوري‪ ،‬وكما يقول‪:‬‬
                                       ‫التي تبقى على الناس‬
    ‫التشتت والتفريق‪ ،‬ومن‬           ‫ُمتف ِرقين حتى لا يدركون‬            ‫«إن أي محاولة للتحرير‬
    ‫خلاله يحاول القاهرون‬            ‫مشاكلهم الكبرى (باولو‬             ‫لا يشارك فيها ال َم ْقهورون‬
     ‫والمُتسلِّطون أن يجعلوا‬        ‫فرايري‪ :‬المصدر السابق‪،‬‬            ‫مشاركة ف َّعالة َت ْعنِي أنهم‬
   ‫مجموع الناس يتوافقون‬                                              ‫لا يزالون يعاملون كمجرد‬
     ‫مع أهدافهم‪ .‬وبقدر ما‬               ‫صص‪.)107 -105‬‬                 ‫أشياء يستهدف المخلصون‬
  ‫تكون الجماهير غير واعية‬               ‫ويستعمل القاهرون‬             ‫إخراجها من مبنى محترق‪،‬‬
 ‫بقضاياها الأساسية تسهل‬            ‫بعض الأساليب لإخضاع‬             ‫وليس من نتيجة لهذه العملية‬
 ‫عملية التلاعب بها‪ .‬ومن َث َّم‬   ‫ال َم ْقهورين والسيطرة عليهم‪،‬‬        ‫سوى قيادة ال َم ْقهورين إلى‬
   ‫فإن التلاعب هو محاولة‬             ‫واستبعادهم‪ ،‬وتقويض‬
‫لتحييد الناس وصرفهم عن‬          ‫جهودهم في البناء‪ .‬ومن هذه‬
    ‫التفكير في واقعهم‪ ،‬ومن‬
                                                 ‫الأساليب‪:‬‬
                                 ‫‪ -1‬التغريب (أو الاستلاب)‪:‬‬
   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196