Page 196 - merit 54
P. 196

‫العـدد ‪54‬‬                                ‫‪194‬‬

                                   ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬                        ‫هو صرف الانتباه عن الطابع‬
                                                                         ‫الكلي للظواهر الاجتماعية‪،‬‬
 ‫فورية المتابعة الإعلامية أداة‬     ‫الأخبار والمعلومات وتسجيلها‬
  ‫فعالة لإعاقة الفهم الشعبي‪.‬‬         ‫والتعليق عليها َف ْور وقوعها‬     ‫وذلك بتجزيء كل ظاهرة إلى‬
                                         ‫من دون وجود أدلة أو‬            ‫معلومات متناثرة على نحو‬
    ‫تجدر الإشارة هنا إلى أ َّن‬       ‫وثائق‪ .‬لقد باتت الأخبار في‬          ‫يوحي بعدم وجود ترابط‬
   ‫الكذب لا يع ُّد بأي حال من‬         ‫ظل الإعلام الفوري الحالي‬
  ‫الأحوال تلا ُعبًا أو تقنية من‬       ‫سل ًعا سريعة التلف‪ ،‬يح ِّقق‬    ‫داخلي بينها؛ الأمر الذي يحول‬
                                     ‫الامتياز َم ْن يسبق الآخرين‬     ‫دون فهم الظاهرة الاجتماعية‪،‬‬
     ‫تقنياته‪ ،‬بل هو بالأحرى‬            ‫في الحصول عليها وبيعها‬
 ‫خداع‪ .‬فبالرغم من أ َّن الكذب‬                                               ‫وبالتالي فتور الشعور‬
 ‫يؤثر في سلوك الناس إلا أنه‬        ‫للمستهلك من دون التأكد من‬           ‫والإحساس باللامبالاة لدى‬
‫لا يم ُّس أرواحهم ولا يغيِّر من‬     ‫صحتها أو سلامة مصدرها‪.‬‬
                                     ‫تولِّد فورية المتابعة بدورها‬                   ‫معظم الناس‪.‬‬
   ‫نواياهم ومقاصدهم شيئًا‪.‬‬           ‫إحسا ًسا زائ ًفا بوجود أزمة‬     ‫وليست أجهزة الإعلام وحدها‬
  ‫يشرح ي‪ .‬ل‪ .‬دوتسينكو في‬                                             ‫التي تضطلع بتوكيد التجزيء‬
   ‫كتابه سيكولوجية التلاعب‬               ‫ُمل َّحة‪ ،‬ما يوحي بأهمية‬
 ‫(موسكو‪ )1996 .‬الفارق بين‬             ‫الموضوع‪ ،‬ثم تأتي الخطوة‬          ‫في تناول الأحداث والقضايا‬
 ‫التلا ُعب والخداع قائلا‪« :‬من‬      ‫التالية‪ :‬إفراغ الموضوع من أية‬            ‫الاجتماعية إ ْذ يضطلع‬
 ‫يسألنا‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬عن‬
   ‫الطريق المؤدية إلى مينسك‬                             ‫أهمية‪.‬‬          ‫الحقلان الثقافي والتعليمي‬
                                        ‫ولقد س َّهل ْت التكنولوجيا‬   ‫أي ًضا‪ ،‬بشكل منهجي ومتع َّمد‪،‬‬
    ‫ونرشده مضلِّلين إياه إلى‬            ‫المتطورة‪ ،‬بما توفره من‬
     ‫بينسك‪ ،‬فهذا ليس سوى‬                 ‫وسائل تقنية للاتصال‬               ‫بتوكيد التجزيء‪ ،‬وذلك‬
   ‫خداع‪ .‬التلا ُعب سيكون له‬              ‫السريع‪ ،‬فورية المتابعة‬        ‫بتشجيع وتعزيز التخصص‬
  ‫مكان في حال ه َّم هذا الآخر‬       ‫الإعلامية‪ ،‬وبالتالي التشويش‬
 ‫في الذهاب إلى مينسك ففعلنا‬            ‫على المعنى أو استئصاله‪،‬‬              ‫والتقسيم إلى جزئيات‬
‫ما يجعله يرغب في الذهاب إلى‬            ‫«في الوقت الذي ُيزعم فيه‬                   ‫ميكروسكوبية‪.‬‬
                                     ‫أ َّن هذه السرعة تع ِّزز الفهم‬
                ‫بينسك»(‪.)14‬‬            ‫والاستنارة»‪ .‬وهكذا تمثِّل‬       ‫‪ -2‬فورية المتابعة‬
  ‫على الرغم من أ َّن الكذب يع ُّد‬                                    ‫الإعلامية ‪Immediacy‬‬
‫عم ًل مشينًا في الحياة العادية‪،‬‬
                                                                        ‫‪of Information‬‬

                                                                     ‫ترتبط فورية المتابعة الإعلامية‬
                                                                                    ‫ارتبا ًطا وثي ًقا‬

                                                                                 ‫بعملية التجزيء‬
                                                                                    ‫إ ْذ تع ُّد الأولى‬
                                                                                     ‫ضرورة من‬
                                                                                       ‫ضرورات‬
                                                                                   ‫وجود الثانية‪.‬‬

                                                                                 ‫لقد أدى الوضع‬
                                                                                  ‫التنافسي الذي‬
                                                                                  ‫فرضه اقتصاد‬

                                                                                      ‫السوق إلى‬
                                                                                     ‫التسابق على‬
                                                                                    ‫الحصول على‬
   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201