Page 197 - merit 54
P. 197

‫‪195‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫هربرت أ‪ .‬شيللر‬                   ‫سيرجي قرة‪ -‬مورزا‬                        ‫يبقى سلو ًكا مقبو ًل في‬
                                                                    ‫السياسة الدولية‪ ،‬حيث تظهر‬
   ‫الكذب مكشو ًفا ولأغراض‬           ‫في مارس ‪ ،2003‬بادعائه‬
‫شخصية منحطة في ظل واقع‬            ‫امتلاك العراق سلاح نووي‪.‬‬            ‫في بعض الحالات مبررات‬
  ‫يثير الغثيان من شدة بؤسه‬                                         ‫استراتيجية لكي يكذب القادة‬
 ‫ومراراته؟! أعتقد أ َّن النتيجة‬         ‫إذن الكذب نوعان‪ ،‬إما‬
‫ستكون وخيمة بكل المقاييس‪.‬‬        ‫لأغراض وطنية وإما لأغراض‬                ‫على دول أخرى‪ ،‬أو على‬
                                                                    ‫شعوبهم(‪ .)15‬وهذا النوع من‬
   ‫فإذا كان التلا ُعب بالعقول‬        ‫شخصية‪ .‬ومن المفترض‬            ‫الكذب هو ما يس ِّميه ميرشيمر‬
      ‫ين ُّم عن ذكاء واحترافية‬   ‫والبديهي أ ْن يكون الكذب‪ ،‬أ ًّيا‬
                                 ‫كانت أغراضه‪ ،‬غير مكشوف‪.‬‬                 ‫«الكذب الاستراتيجي»‪،‬‬
   ‫َم ْن يمارسونه‪ ،‬فإن الكذب‬     ‫لكن المؤسف والمثير للسخرية‬           ‫الذي يميِّزه عما أطلق عليه‬
   ‫ين ُّم عن غباء وانحطاط َم ْن‬                                     ‫«الكذب الأناني»‪ ،‬حيث يكون‬
   ‫يمارسونه‪ ،‬لا سيِّما عندما‬          ‫في الوقت ذاته أ َّن الكذب‬    ‫الهدف من وراء الأول تحقيق‬
  ‫يكون الكذب مفضو ًحا‪ .‬فمن‬          ‫المكشوف‪ ،‬الذي لا يصدقه‬         ‫مصلحة عامة وطنية‪ ،‬وبالتالي‬
 ‫أدنى درجات الذكاء‪ ،‬على ح ِّد‬     ‫عموم الناس وليس المحلِّلين‬       ‫يتوافر له َق ْدر من المشروعية‪،‬‬
    ‫تعبير ل‪ .‬فرايزر في كتابه‬       ‫والمثقفين فقط‪ ،‬يملأ وسائل‬        ‫بينما يكون الهدف من الثاني‬
    ‫الشهير الدعاية (‪،)1957‬‬         ‫الإعلام في العديد من الدول‬          ‫تحقيق مصلحة شخصية‬
‫«[ألا] تكذب إذا كان ثمة خطر‬          ‫العربية بلا أ َّي استحياء‪.‬‬    ‫أنانية أو حماية أفراد بعينهم‪،‬‬
‫افتضاح الأمر»(‪ ..)17‬وعلى هذا‪،‬‬     ‫فشتان بين التلا ُعب بالعقول‬       ‫وبالتالي لا يتوافر له أي َق ْد ٍر‬
‫إذا كان التلا ُعب يحتاج ضمن‬        ‫والكذب على العقول‪ .‬وحتى‬
 ‫أنشطته الإعلامية التوجيهية‬       ‫التلا ُعب بالعقول‪ ،‬فإنه ‪-‬كما‬          ‫من المشروعية‪ .‬ويضرب‬
‫إلى أذكى المواهب التي تضطلع‬          ‫أشرنا من قبل‪ -‬لا يح ِّقق‬           ‫ميرشيمر مثا ًل على ذلك‬
                                  ‫نتائجه المغرضة في ظل واقع‬        ‫بالرئيس جون كينيدي «عندما‬
     ‫بكفاءة بتقديم ما أسماه‬         ‫بائس يعانيه الناس‪ .‬فماذا‬          ‫كذب على الشعب الأميركي‬
   ‫شيللر في كتابه المتلاعبون‬     ‫يكون الحال إذن عندما يكون‬            ‫بخصوص أزمة الصواريخ‬
                                                                        ‫الكوبية‪ ،‬وعقد اتفا ًقا مع‬

                                                                          ‫الاتحاد السوفيتي على‬
                                                                      ‫صواريخ جوبيتر في تركيا‬
                                                                     ‫‪-‬لأن تلك الكذبة ساعد ْت في‬
                                                                   ‫حل أزمة الصواريخ الكوبية‪-‬‬
                                                                     ‫متجنبًا بذلك قيام حرب بين‬
                                                                       ‫قوتين عظميين مسلحتين‬

                                                                                    ‫نوو ًّيا»(‪.)16‬‬
                                                                      ‫بالرغم مما يمكن أ ْن يؤديه‬
                                                                    ‫الكذب الاستراتيجي من دور‬
                                                                    ‫مفيد للدولة‪ ،‬إلا أ َّن ميرشيمر‬

                                                                        ‫يشير إلى أ َّن هناك دو ًما‬
                                                                      ‫احتما ًل أ ْن يترتب على هذا‬
                                                                     ‫الكذب ضر ًرا يفوق منفعته‪.‬‬
                                                                    ‫ويضرب ميرشيمر مث ًل على‬
                                                                       ‫ذلك بالرئيس بوش الابن‬
                                                                   ‫عندما كذب‪ ،‬قبل غزوه للعراق‬
   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202