Page 201 - merit 54
P. 201
199 الملف الثقـافي
الجماهير المتمردة ،معتبر ًة المجموعة؟ لقد عبَّر لوبون في صفحات
سلوكها رديئًا وحشيًّا بربر ًّيا، يع ُّد اقتحام (الباستيل) في هذا الكتاب عن أفكار «عقلية
وأن الجمهور بطبيعته «غوغاء» عام 1789هو المؤثر الأ َّول
يمثل بحد ذاته تهدي ًدا للنظام الأكثر برو ًزا على لوبون ،حيث الغوغاء» ،مما جعل منه
الطبيعي والجيد للمجتمع الذي تحولت فرنسا وانتقلت من استنا ًدا علميًّا فكر ًّيا لمرحلة
بطبيعته يعتبر هرميًّا تسلسليًّا نظام ملكي إلى حكم جمهوري كاملة بأسرها ،حيث يتفق
في التراتيب ،وهذا هو ما يجعله بانتقال دموي «حاد» ،ألقي الجميع أن كتاب سيكولوجية
لا يفضي إلى حكم رشيد بعي ًدا المحافظون باللوم على اليسار الجماهير يع ُّد مرج ًعا مه ًّما
عن دخول الطبقات الشعبية إلى الثوري الذي كان في رأيهم د َّشن من خلاله لوبون أساس
الحياة السياسية -التي حدثت المانع أمام التغيير السياسي
خلال عصر لوبون ،-وهو ما السلمي في ظل حكم النخبة علم النفس الاجتماعي أو
يعني كذلك أن مصائر الأمم لم الجماعي وعلم الرأي العام
تعد في مجالس الأمراء ،بل يتم كما تحقق في الجارتين
وضعها في يد الجماهير ،كما (ألمانيا -فرنسا) ،ساهم الإعلامي.
اعتقد أن الحكومة الديمقراطية في ذلك التحريض العمالي
المعتمدة على البرلمانات الشعبية والنشاط الاشتراكي في زيادة الأصول الفكرية لعلم
والعمالية ستنتهي بالضرورة تحفيز الحشود «الهيستيرية» نفس الجمهور
لحفر قبور رموز النظام الملكي
بالعنف والدمار. على مر التاريخ ،تطل علينا
عندما انتقل من دراسة الطب القديم(.)1 ظاهرة «عقلية الغوغاء» بد ًءا
إلى دراسة العلوم الاجتماعية بالنسبة إلى لوبون فإن تلك من الأنبياء أنفسهم الذين كان
الناشئة حدث تأثره الثاني من الأحداث غرست داخله خو ًفا ُينظر إليهم باعتبارهم خوارج
خلال «العنصرية الاجتماعية طويل الأمد من الاشتراكية،
عصرهم ،مرو ًرا بموجة
الداروينية» في التمييز على التي اعتبرها حركة «شبه حرق الساحرات في العصور
أساس العرق والجنس ،ظهر دينية» للجماهير غير الوسطى ،والتعصب الديني،
ذلك من خلال مقال له نشر
عام ( )1879في مجلة Revue المستنيرة التي تحتاج إلى والاحتجاجات السياسية،
«رعاية النخبة» ،كتب لوبون: والمظاهرات الشعبية ،وأعمال
،d’anthropologieحيث «فالجماهير لم تكن في حياتها
أفاد بوجود تسلسل هرمي الشغب للر ِّد على تيارات
أب ًدا ظمأى للحقيقة ،وأمام العنصرية وهلم ج َّرا ،ولأننا
«مشكوك» فيه للذكاء من الحقائق التي تزعجهم ،فهم
الأعراق الأدنى من السلالات يح ِّولون أنظارهم باتجاه آخر، كبشر لسنا معفيين من
ومن يعرف إيهامهم يصبح السلوك الغوغائي؛ بل لدينا
الأوروبية الغربية المتفوقة، سي ًدا لهم ،ومن يحاول قشع
فض ًل عن تفوق الرجال على الأوهام عن أعينهم يصبح استجابات غريزية تتفاقم
النساء والطبقات العليا على تحت تأثيرات المجموعة
الطبقات الدنيا -على الرغم من ضحية لهم»(.)2 الاجتماعية ،بمعنى أن ما
رفض المجتمع لهذه النتائج ،إلا في هذا الخصوص يبرز لنا أثر
أن عنصرية لوبون البيولوجية قد لا نفعله كأفراد قد نفعله
التأريخ للعديد من الثورات كجزء من مجموعة حين نتحد
غرسها في عمله النفسي الفرنسية على مدار القرن
الجماعي في وقت لاحق ،-كان التاسع عشر ،المكتوب من مع «عقلية الغوغاء» ،تناول
وجهة نظر «البرجوازية»، غوستاف لوبون البحث داخل
هذا التأثر الأكثر برو ًزا في والتي تنظر بازدراء إلى
«سيكولوجية الجماهير»
للخروج بفهم موسع نحو:
كيف تتحرك كتلة الجماهير
«المصمتة» وتك ِّون عقلية