Page 193 - merit 54
P. 193
191 الملف الثقـافي
التلاعُ ب بوعي الجماهير :سماته على ممارسة «الاستبداد التام الأنظمة الشمولية
وتقنياته والوقاية منه وما يستتبع ذلك من خسائر بوجه خاص
بشرية فادحة .ولما كان الطغاة بالجماهير
تعتدُّ
د.محمد عبده في هذه البلدان الصغيرة ودورها في العملية
أبو العلا فاقدي الأمل في افتتاح أرا ٍض السياسية ،بل
ذات أعداد سكانية أكبر، والعسكرية أي ًضا ،إ ْذ تبسط
وجدوا أنفسهم مجبرين على هذه الأنظمة سلطانها استنا ًدا
ا ِّتباع نهج معتدل نسبيًّا، إلى سلطة الجماهير .في هذا
خشية أ ْن يفقدوا أفراد رعيتهم السياق تقول حنة أرندت:
«[لقد] رأي ُت هتلر يبلغ السلطة
المعدودين»( .)2وهذا ،بحسب بصورة شرعية ووفق قاعدة
أرندت ،هو «السبب الذي ألزم الأغلبية الحاكمة ،وما كان
النازية بأقل َق ْد ٍر من التما ُسك له ولستالين أ ْن يستمسكا
وبأدنى درجة من البطش من بزمام سلطتهما على شعوب
ِصنوها الروسي [ ]..إ َّن ألمانيا عريضة بأسرها ،وأ ْن يصمدا
لم ُتقا ِر ْب على إقامة نظام في وجه أزمات داخلية
توتاليتاري [شمولي] حقيقي وخارجية عديدة ،لو لم يكونا
حائزين على رضا الجماهير
إلا بعد أ ْن و َّفر ْت الحملات
الشرقية جماهير بشرية وثقتها .وما كانت دعاوي
موسكو ،ولا حملة التصفية
عظيمة ،باتت معها معسكرات في « ُروهم(*)» ممكنة الوقوع
الاعتقال والإبادة ممكنة»(.)3
لو لم تكن الجماهير أ َّيدت
على عكس النظام النازي، ستالين وهتلر»(.)1
نجد «أ َّن مخاطر النظام
التوتاليتاري ماثلة بصورة ونظ ًرا لاستناد الأنظمة
مخيفة في البلدان التي َألِ َف ْت الشمولية على هذا النحو إلى
الاستبداد الشرقي التقليدي، سلطة الجماهير في توسيع
كالهند والصين؛ ها ُهنا نفوذها وبسط سلطانها ،فإن
المادة الأ َّولية [أعداد وفيرة أهم ما يميِّز هذه الأنظمة هو
من السكان] التي لا تنضب امتلاك جهاز دعاية ضخم
في سبيل تغذية الاستبداد تضطلع من خلاله بحملات
الكلي [ ]..لا يمكن للمرء
أ ْن ي ْنسب اعتدال ال ُحكم أو دعائية سياسية هدفها
ا ِّتباعه أساليب في التس ُّيد أقل الأساسي اجتذاب الجماهير
دموية ،إلى م ْحض ال َخشية نحوها ونيل دعمها ،لا سيِّما
من انتفاضة شعبية؛ إنما هو
النقص الفادح في السكان في بداية صعودها.
الذي يش ِّكل تهدي ًدا جد ًّيا وعلى هذا ،كما لاحظ ْت حنة
أرندت ،فإن الطغاة في البلدان
للاستبداد التام»(.)4
إذن ،تمثِّل الجماهير العريضة الأوروبية الصغيرة التي
لا تمتلك العدد الكافي من
بالنسبة للأنظمة الشمولية «الجهاز البشري» لا ُت ْق ِدم