Page 194 - merit 54
P. 194
العـدد 54 192
يونيو ٢٠٢3 قوة ضرورية لا بد منها
لشرعنة احتكارها لجميع
يكون ف َّعا ًل إلا إذا ت َّم على مرسوم من الإعلام لا اختيار السلطات ،وبالتالي امتلاك
نحو غير محسوس ،أ ْي على فيه ..فتن ُّوع الآراء فيما
نحو لا يشعر المضلَّلون به. القدرة اللازمة لفرض
يتعلق بالأخبار الخارجية مخططها الشمولي على الجميع
«وعلى ذلك ،فلا بد من أ ْن والداخلية ،أو بالنسبة لشؤون
يؤمن الشعب الذي يجري بلا استثناء؛ والتسلُّح بهذه
تضليله بحياد مؤسساته المجتمعات المحلية ،لا وجود القوة يتطلب إخضاع هذه
الاجتماعية والرئيسة .لا بد له في المادة الإعلامية .وهو الجماهير ،وهذا الإخضاع
من أ ْن يـؤمـن الـشـعـب ما ين ُتج أسا ًسا من التطابق يتطلب بدوره تضليلها أو،
بـأن الحـكـومـة ،والإعـلام، بتعبير آخر ،التلا ُعب بوعيها،
الكامن للمصالح ،المادية وهذا التلا ُعب يتطلب أي ًضا
والتعليم ،وال ِعلم بعيدة والأيديولوجية ،لأصحاب بدوره وجود جهاز دعاية
جمي ًعا عن معترك المصالح الملكية (في هذه الحالة من
الاجتماعية المتصارعة»(.)8 يملكون وسائل الاتصال ضخم.
فالتلا ُعب في جوهره «نوع ملكية خاصة) ،ومن الطابع من الجدير بالذكر أنه لا يخلو
من التأثير ال ُّروحي النفسي الاحتكاري لصناعة وسائل
(وليس عن ًفا جسد ًّيا أو تهدي ًدا نظام سياسي من التلا ُعب
بالعنف) .هدف فعل المتلا ِعب الاتصال بوجه عام(.)5 بالوعي .فالتلا ُعب بالوعي
هو ال ُّروح والبِ ْن َية النفسية بحسب شيللر ،لا تمثِّل كأداة للهيمنة أو السيطرة
للشخصية الإنسانية»(.)9 وسائل الإعلام على اختلاف الاجتماعية موجود في جميع
وهكذا لا يكون التأثير في أنواعها في الولايات المتحدة الأنظمة السياسية ،بما في ذلك
الوعي تلا ُعبًا إلا إذا كان خفيًّا، أكثر من مجرد عمل تجاري الأنظمة الديمقراطية نفسها.
أ ْي غير ملحوظ بحيث ينفذ تتحكم فيه الدوافع والحوافز ويشهد على ذلك حجم التلا ُعب
س ًّرا إلى وعي المستهدفين نفسها التي تتحكم في أ ِّي عمل بالوعي في الولايات المتحدة
بالتلا ُعب .فض ًل عن هذه تجاري يهدف إلى الربح. الأميركية ،التي تمثِّل النموذج
ال ِّسمة ،توجد ِسمة أخرى إ َّن ما يشاهده الناس وما الأشهر للديمقراطية في ال َعا َل،
يقرأونه ،أو ما يستمعون إليه، إ ْذ يبلغ التضليل الإعلامي بها
يتميَّز بها التلا ُعب ،وهي وما يرتدونه وما يأكلونه، أعلى درجات تطوره؛ فبالرغم
النظر إلى الناس المستهدفين والأماكن التي يذهبون إليها،
وما يتصورون أنهم يفعلونه، من َو ْفرة الكم الإعلامي
بالتلا ُعب بوصفهم أشياء كل ذلك أصبح وظائف بها ،فإن معظم الأميركيين،
وليس باعتبارهم أشخاص يمارسها جهاز إعلامي يق ِّرر كما يذهب هربرت أ .شيللر،
الأذواق ،والقيم التي تتفـق يخضعون للتضليل الإعلامي.
يتعيَّن احترامهم. مـع معاييره الخاصة التي
إ َّن تضليل عقول البشر تفرضها وتع ِّززها مقتضيات يقول شيللر ن َّصا:
[أو التلا ُعب بوعيهم] هـو، باستثناء قطاع صغير ج ًّدا
عـلـى حـد قـول باولو السوق(.)6 من السكان ُي ْح ِسن الانتقاء،
فرير»أداة للقهر» .فهو ِمثل بالنسبة لمفهوم «التلا ُعب»، ويعرف ما الذي يشاهده،
إحدى الأدوات التي تسعى يشير هذا المفهوم «إلى ذلك ويستطيع بالتالي أ ْن يستفيد
النخبة من خلالها إلى «تطويع من التد ُّفق الإعلامي الهائل،
الجماهير لأهدافها الخاصة». التأثير الذي لا يرضينا،
فباستخدام الأساطير ،التي والذي يح ِّرضنا على القيام فإن معظم الأميركيين
تف ِّسر وتب ِّرر الشروط السائدة بتصرفات نجد أنفسنا معها محصورون أسا ًسا ،وإ ْن
للوجود ،بل وتضفي عليها خاسرين ،وأحيا ًنا حمقى»(.)7 لم يعوا ذلك ،داخـل نطاق
والتلا ُعب بهذا المعنى لا