Page 188 - merit 54
P. 188

‫الأساسية والمهمة‪( .‬المصدر‬           ‫أخطر صور الاستحمار وأكثرها تأثيًرا‬
          ‫السابق‪ ،‬ص‪)125‬‬                ‫هو "الاستحمار الديني"‪ ،‬حيث ُيحول‬
                                   ‫الدين إلى أداة لتخدير العقول وإشغال‬
   ‫والاستحمار المباشر ُي ْم ِك ُن‬
   ‫التعرف عليه بسهولة‪ ،‬على‬               ‫الناس بقضايا فرعية لا علاقة لها‬
   ‫الرغم من إمكانية تحريف‬          ‫بجوهر الدين‪ ،‬الذي جاء أسا ًسا لخلاص‬
 ‫الاهتمام بالقضايا الأساسية‬
   ‫للإنسان‪ ،‬والمجتمع‪ .‬ولكن‬             ‫الإنسان وتوكيد النباهة الإنسانية‬
‫الخطورة تكمن في الاستحمار‬          ‫والدراية الاجتماعية‪ .‬ويتمثل ذلك‪ ،‬على‬

     ‫غير المباشر‪ ،‬وذلك حين‬            ‫سبيل المثال‪ ،‬عندما تتناقش النخب‬
   ‫يتم تحريف وعي الإنسان‬             ‫الدينية حول مسائل من قبيل موقف‬
  ‫وإِ ْشغاله بقضايا فرعية عن‬          ‫الدين من الموسيقى والفن والأدب‪،‬‬
‫التفكير في القضايا الأساسية‬
   ‫التي تهمه‪ ،‬وتهم مجتمعه‪.‬‬                         ‫وأموال البنوك والبورصة!‬
  ‫ولذلك فإن الاستحمار غير‬
‫المباشر «قد لا يدعو الإنسان‬           ‫يمكن تسميته (التجهيل)‪،‬‬       ‫توضيحيًّا لذلك بأنه عندما‬
                                     ‫و»الاستحمار غير المباشر»‬           ‫يش ُب حري ٌق في بيتك‪،‬‬
     ‫إلى القبائح والانحرافات‬       ‫أو ما يمكن تسميته (الإلهاء)‪.‬‬
      ‫أحيا ًنا‪ ،‬بل بالعكس‪ ،‬قد‬                                         ‫ويدعوك أحد الناس إلى‬
‫يدعوه إلى المحاسن‪ ،‬ليصرفه‬               ‫وفي الجانب الأول يعمل‬      ‫الصلاة‪ ،‬والتض ُّرع إلى الله‬
     ‫عن الحقيقة التي يشعر‬                ‫الاستحمار على تحريك‬     ‫لإطفاء الحريق‪ ،‬فينبغي عليك‬
    ‫هو بخطرها‪ ،‬كي لا يفكر‬             ‫الأذهان إلى الجهل والغفلة‬  ‫أن تعلم أنها دعوة خائن؛ لأن‬
    ‫فيها‪ ،‬فيتجه نحو (جمال‬                ‫عن القضايا المصيرية‪،‬‬    ‫الاهتمام بغير إطفاء الحريق‪،‬‬
      ‫العمل) ولطافته‪ ،‬غاف ًل‬             ‫أو سوقها إلى الضلال‬        ‫والانصراف عنه إلى عمل‬
   ‫عن الشيء الذي ينبغي أن‬             ‫والانحراف‪ ،‬وهدفه الأكبر‬       ‫آخر‪ ،‬حتى وإن كان عم ًل‬
     ‫َي ِع َيه»‪( .‬المصدر السابق‪،‬‬        ‫استغفال الناس‪ ،‬وسلب‬        ‫مقد ًسا ‪-‬وقو ًفا في الصلاة‪،‬‬
                                     ‫هوياتهم‪ ،‬ومسخهم من كل‬         ‫أو انشغا ًل بمطالعة أحسن‬
         ‫صص‪)103 -102‬‬                   ‫شيء‪ ،‬وتجاهل حقوقهم‬           ‫الكتب العلمية والأدبية‪ ،‬أو‬
   ‫ويضرب «شريعتي» مثا ًل‬                 ‫السياسية والاجتماعية‬     ‫مناجاة الله‪ -‬هو الاستحمار‬
    ‫للاستحمار غير المباشر‪،‬‬          ‫والاقتصادية‪ .‬أما في الجانب‬
                                    ‫الثاني فإن الاستحمار يعمل‬        ‫بعينه‪( .‬المصدر السابق‪،‬‬
     ‫حيث يستشهد بالتاريخ‬             ‫على إلهاء الأذهان بالحقوق‬            ‫صص‪)101 -100‬‬
  ‫العربي الإسلامي عائ ًدا إلى‬         ‫الجزئية البسيطة؛ لتنشغل‬
   ‫صدر الإسلام‪ ،‬عندما كان‬            ‫بها عن التفكير في الحقوق‬            ‫وهناك جانبان يعمل‬
  ‫المسلمون يقاضون الخليفة‬                                            ‫الاستحمار من خلالهما‪:‬‬
  ‫على أي سلوك له يشعرون‬                                            ‫«الاستحمار المباشر» أو ما‬
   ‫أنه غير عادل‪ ،‬ويناقشونه‬
‫في الأسواق والمجالس العامة‬
‫من دون خوف‪ .‬ومن َث َّم كان‬
  ‫من الصعب (استحمارهم)؛‬

       ‫لأنهم كانوا أهل وعي‬
  ‫ودراية إنسانية واجتماعية‪،‬‬
  ‫متنبهون لحقوقهم ومصير‬
   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193