Page 230 - merit 54
P. 230

‫العـدد ‪54‬‬                              ‫‪228‬‬

                             ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬                         ‫يجتمع البشر بصفة عامة‬
                                                                   ‫على أمر ما‪ ،‬وهنا يكمن‬
     ‫على المستوى السياسي‬           ‫الذي تحتفي به حركة‬
‫والاجتماعي‪ ،‬ومهما اختلفت‬       ‫فلسفة التنوير الإنساني في‬        ‫مثار الجدل في هذا التعقيد‬
                              ‫مشروعها بجعل الأشياء في‬          ‫والاختلاف في سيكولوجية‬
     ‫سيكولوجية الجماهير‬      ‫شكل مثل هذا الذي من شأنه‬
      ‫ودوافعها ومحركاتها‬                                                      ‫الجماهير‪.‬‬
     ‫ورغباتها‪ ،‬فإنها أساس‬         ‫ألا يحبط أعضاء الجنس‬           ‫ونجد أي ًضا أن الجماهير‬
‫المجتمعات وقيام الحكومات‪،‬‬     ‫البشري في مسعاهم الحثيث‬         ‫عندما تتحرك وتنتفض دون‬
    ‫فلا يجب بأي شكل من‬                                       ‫وعي وإدراك سينتج عن ذلك‬
  ‫الأشكال تهميشها والعمل‬         ‫لأن يتصرفوا طب ًقا لأهم‬         ‫حت ًما حالة من الفوضى‪،‬‬
 ‫على إلغاء دورها‪ ،‬ولا يجب‬    ‫مواهبهم الإنسانية الطبيعية‪،‬‬       ‫وهناك أنواع من الجماهير‪،‬‬
    ‫على السلطة الرهان على‬    ‫وهي القدرة على إصدار حكم‬           ‫هناك جماهير منظمة تثور‬
‫صبر الجماهير عليها‪ ،‬فهناك‬
  ‫موقف بسيط ‪-‬كما ذكرنا‬          ‫رشيد‪ ،‬والتصرف طب ًقا لما‬           ‫على وضع ما ولتحقيق‬
 ‫ساب ًقا‪ -‬يكون بمثابة القشة‬  ‫يمليه عليهم العقل‪ .‬وتجسي ًدا‬        ‫هدف ما‪ ،‬وهناك جماهير‬
    ‫التي تقصم ظهر البعير‪،‬‬                                     ‫غاضبة من الأوضاع القائمة‬
‫وهناك حكومات تتعمد إفقار‬         ‫لأعلى الصفات الإنسانية‪،‬‬         ‫على الظلم‪ ،‬تحركها ثورة‬
‫شعبها وعدم توفير حاجاته‬        ‫فإن جمهور حركة التنوير‬           ‫من الغضب من الممكن أن‬
‫الأساسية‪ ،‬حتى يكون شغله‬      ‫يتم تصويره كفاعل اجتماعي‬          ‫تؤدي إلى حدوث إتلاف في‬
    ‫الشاغل توفير متطلباته‬    ‫مميز عقليًّا وأخلاقيًّا‪ ،‬ودوره‬      ‫مؤسسات الدولة‪ ،‬وهناك‬
  ‫الأساسية التي تحافظ على‬     ‫هو أن يسعى لتحرير نفسه‬              ‫جماهير فوضوية‪ ،‬تريد‬
‫بقائه واستمراريته فحسب‪،‬‬       ‫من الغموض والتزييف‪ ،‬على‬           ‫حدوث الفوضى في البلاد‬
  ‫ولا يطمح لما هو أعلى‪ ،‬ولا‬     ‫الرغم من أن تاريخ القرن‬      ‫حتى يتثنى لها القيام بجرائم‬
   ‫ينشغل بما يفعله الحكام‬                                    ‫مثل السرقة والنهب والسطو‪،‬‬
      ‫والساسة‪ ،‬ولا ينشغل‬         ‫العشرين أحدث خل ًل في‬
    ‫بالإصلاح والتعديل من‬         ‫الثقة في مقدرة الجمهور‬            ‫وهي بذلك تكون عائدة‬
     ‫سياسات الدولة والتي‬           ‫لتحقيق التحرر الذاتي‪،‬‬         ‫على سيكولوجية كل فرد‬
‫حت ًما ستكون ظالمة لشعبها‪،‬‬   ‫وشجعت التجارب الإنسانية‬           ‫وضوابطه وميوله ورغباته‬
‫وذلك لكي لا يفكرون سوى‬
  ‫في توفير متطلبات حياتهم‬            ‫للفاشية والستالينية‬            ‫التي تتحكم فيه‪ ،‬فلكل‬
  ‫الأساسية‪ ،‬وبذلك لا يكون‬         ‫على التراجع الفكري إلى‬        ‫منهم دوافعه التي تحركه‪،‬‬
‫لديهم الوقت والجهد للتفكير‬         ‫الرسوم الكاريكاتورية‬       ‫وأهدافه التي يريد الوصول‬
  ‫في تغيير الأوضاع الظالمة‬     ‫للجمهورالمتقلب والمرن‪ ،‬إلا‬     ‫إليها‪ ،‬ولكن يختلف الأمر إذا‬
     ‫والمستبدة‪ ،‬ويرضخون‬       ‫أنه يبقى هناك دور واحد لا‬       ‫اجتمعت أغلب الجماهير على‬
     ‫بالطبع للوضع الراهن‬     ‫يمكن أن ُيجرد من الإنسانية‬       ‫هدف ما‪ ،‬وعلى تغيير وضع‬
                                 ‫الجماعية‪ ،‬ألا وهو دوره‬        ‫ما‪ ،‬فتحكمها روح الجماعة‬
               ‫‪-------‬‬                                         ‫ويزيدها ذلك قوة وعزيمة‪،‬‬
  ‫باحثة دكتوراه في الفلسفة‬           ‫كشاهد على التاريخ‪.‬‬       ‫قوة يمكن من خلالها زلزلة‬
                                  ‫هذه بعض الأفكار التي‬        ‫وهدم نظام بأكمله وتغييره‪،‬‬
     ‫السياسية في موضوع‬             ‫يتضمنها كتاب (الدين‬           ‫فيكون الفرد أقوى داخل‬
    ‫(الفلسفة السياسية عند‬    ‫والثورة)‪ ،‬ولا شك أن الكتاب‬
                               ‫غني بالأفكار والأطروحات‬              ‫الجماعة من خارجها‪.‬‬
        ‫ألاستر ماكينتاير)‪.‬‬        ‫التي يصعب عرضها أو‬         ‫وكقوة تاريخية فإن الجمهور‬

                                    ‫إيجازها في هذا المقال‬        ‫يفتقر إلى نوع من العمل‪،‬‬
                                  ‫الصغير‪ .‬وختا ًما نقول‪:‬‬
                                ‫إن الجماهير هي الأساس‬
                               ‫والمؤثر الأول في كل شيء‪،‬‬
   225   226   227   228   229   230   231   232   233   234   235