Page 232 - merit 54
P. 232

‫العـدد ‪54‬‬                             ‫‪230‬‬

                                ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬                        ‫المستبد‪ ،‬أو رجل البوليس‪،‬‬
                                                                ‫أو المالك الذي يتحكم بقوته‪،‬‬
  ‫ويدافع ضد افتضاح أمره‪،‬‬        ‫المقهور لذاته يتضخم تقديره‬
    ‫لذلك فإن الكرامة والعزة‬      ‫للمتسلط‪ ،‬من هنا تبرز حالة‬            ‫أو الموظف الذي يبدو‬
                                                                  ‫وكأنه يملك العطاء والمنع‪،‬‬
 ‫هي قضية مصيرية بالنسبة‬            ‫«التقرب» فيتحدد الاعتبار‬        ‫أو المستعمر الذي يفرض‬
    ‫له‪ ،‬فالإنسان يستطيع أن‬        ‫الذاتي للمقهور انطلا ًقا من‬
   ‫يعيش بدون خبز ولكن لا‬           ‫درجة التقرب من المتسلط‬                         ‫احتلاله‪.‬‬
                                  ‫لكي ينعم ببعض الأمن على‬       ‫وإذا أخذنا بالمنهج التاريخي‬
‫يستطيع العيش بدون كرامة‪.‬‬        ‫حياته وقوته‪ ،‬إلا أن هذا يثير‬   ‫نجد أن واقع الإنسان المقهور‬
  ‫فيلجأ المقهور إلى تصرفات‬         ‫مشاعر الذنب والقلق عند‬
                                   ‫الإنسان المقهور‪ ،‬ويصاب‬          ‫قابل لأن يندرج في ثلاثة‬
‫استعراضية مثل الاستعراض‬                                          ‫أنماط من الوجود‪ ،‬تبدأ من‬
  ‫الاستهلاكي الذي يشيع في‬             ‫بحالة من التذبذب بين‬
 ‫البلدان النامية‪ ،‬والتي تهدف‬       ‫التبعية وبين الرفض لهذه‬          ‫مرحلة الرضوخ وتصل‬
  ‫إلى التستر من عقدة العار‪،‬‬      ‫التبعية‪ ،‬فيحاول الانتقام من‬      ‫إلى مرحلة التمرد والثورة‬
    ‫إن الإنسان المقهور أسير‬     ‫سيده وينتقل إلى مرحلة ثانية‬      ‫مرو ًرا بمرحلة بينية تسمى‬
                                   ‫يشعر فيها بالاضطهاديه‪،‬‬          ‫الاضطهادية‪ .‬وسنجد أن‬
‫المظاهر ما دامت تحقق غرض‬         ‫فيقوم بأعمال تخريب مقنعة‬          ‫لكل مرحلة بنيتها النفس‬
   ‫الستر‪ .‬بعد مرور الإنسان‬         ‫أو يستخدم رمو ًزا ونكات‬
    ‫المقهور وأشباهه بمرحلة‬       ‫تهكمية‪ ،‬فهو في الظاهر تابع‬          ‫اجتماعية وخصائصها‬
   ‫الاضطهادية‪ ،‬يشعر أنه لا‬         ‫وفي الخفاء متمرد يحاول‬               ‫المميزة‪ ،‬التي تعكس‬
  ‫يستطيع النجاة‪ ،‬يتحول من‬       ‫النيل من السيد كلما استطاع‬
   ‫الضعف إلى قوة تدافع عن‬          ‫ذلك‪ ،‬فيصبح الكذب جز ًءا‬      ‫بمجموعها جانبًا من الوجود‬
    ‫وجوده ويلجأ إلى مرحلة‬                                                ‫الإنساني المقهور‪.‬‬
  ‫التمرد الكامل‪ ،‬وبذلك يصل‬           ‫من النسيج الاجتماعي‪،‬‬
   ‫المجتمع المتخلف في مرحلة‬       ‫والسمة الغالبة للعلاقة بين‬   ‫من هنا يمثل القهر والرضوخ‬
                                  ‫السيد والتابع‪ ،‬السيد يكذب‬    ‫أولى هذه المراحل والتي تمتد‬
 ‫من مراحل تطوره إلى العنف‬         ‫على التابع بالوعود الزائفة‪،‬‬    ‫زمنًا طوي ًل نسبيًّا‪ ،‬ويشكل‬
 ‫الذي يتخذه وسيلة للتخلص‬          ‫والتابع يعلن ولاءه الكاذب‬
 ‫من عقدة العار والنقص‪ ،‬إنه‬        ‫للسيد‪ ،‬المسؤول يكذب على‬           ‫هذا الزمن من الرضوخ‬
‫رد الفعل الذي يوحد الشعب‪،‬‬        ‫المواطن‪ ،‬والموظف يكذب على‬        ‫والاستكانة الفترة المظلمة‬
                                                                ‫من تاريخ المجتمع‪ ،‬إنه ُيعبر‬
  ‫وهو نوع من الشعور ضد‬              ‫صاحب الحاجة‪ ،‬والتاجر‬        ‫عنه بعصر الانحطاط‪ ،‬فيبدو‬
‫القهر‪ ،‬ولكن مع غياب الثقافة‬     ‫يكذب على المشتري‪ ،‬والحرفي‬
                                                                    ‫وكأن الاستكانة والقهر‬
    ‫السياسية فإن هذه القوة‬        ‫يكذب على الزبون‪ ،‬وتصبح‬             ‫والرضوخ هم الطبيعة‬
   ‫قد تجعل الإنسان المقهور‬       ‫العلاقات قائمة على التضليل‬       ‫الأزلية لهذه الجماهير‪ .‬في‬
    ‫يتصرف بذهنية المتسلط‪.‬‬                                       ‫هذه المرحلة يزدرى الإنسان‬
   ‫إن الوجود المتخلف معاش‬                         ‫والخداع‪.‬‬        ‫المقهور ذاته ويخجل منها‬
  ‫وجدانيًّا أكثر مما هو منظم‬         ‫ويعيش الإنسان المقهور‬            ‫مته ًما إياها بالتقصير‬
‫عقليًّا‪ ،‬فإنسان العالم المتخلف‬      ‫في حالة تهديد دائم لأمنه‬      ‫والتخاذل والجبن‪ .‬ويميل‬
 ‫يتحرك تحت عباءة انفعالاته‬           ‫وقوته وعياله وصحته‪،‬‬        ‫إلى إنزال العقاب بنفسه على‬
‫مما يجعله يفقد السيطرة على‬         ‫ويفتقر إلى ذلك الإحساس‬         ‫تخاذله واستكانته‪ ،‬وبذلك‬
  ‫الواقع‪ ،‬ويرتمى في أحضان‬         ‫بالقدرة على المقاومة‪ ،‬فيفقد‬      ‫يصبح حليف المتسلط في‬
  ‫التفكير الخرافي والسحري‬         ‫الثقة بالنفس ويعيش حالة‬        ‫حربه ضد وجوده ووجود‬
‫كوسيلة وحيدة للخلاص من‬             ‫من العار‪ .‬يخجل من ذاته‬         ‫أمثاله من الناس‪ .‬وبمقدار‬
   ‫المآزق‪ .‬إنه يعيش في حالة‬                                         ‫ما ينهار اعتبار الإنسان‬
   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237