Page 262 - merit 54
P. 262

‫يوسف عزب‬            ‫ثمة ضروب من الإشارات التي تعبر عن‬
                                   ‫العلاقات النصية في القصيدة الواحدة‪،‬‬
    ‫ينفي الشاعر عن نفسه صفة‬
 ‫الجبن‪ ،‬ويلتفت إلى تلك المفارقات‬     ‫وبوجود هذه الخصائص تتولد لغة‬
                                     ‫تجمع النقائض حتى في التوقيتات‬
   ‫التي تمتليء بها الحياة‪ ،‬فالقلب‬
‫يشعر بالبرودة‪ ،‬والشخص نفسه‬             ‫التي تتعارض مع التوجه العام‪،‬‬
                                   ‫فكوكب الأرض الذي يعاني سكانه من‬
  ‫يرى التحولات‪ ،‬فقد صحا ليجد‬        ‫إحباطات متشابكة يظل له المرجعية‬
   ‫نفسه بخا ًرا‪ .‬تلك المراوحة بين‬
    ‫كينونة الشخص وبين عثرات‬         ‫بالرغم من كافة النقائض‪ ،‬بعي ًدا عن‬
   ‫المدينة تنتقل من نص إلى آخر‪.‬‬      ‫السقطات التراجيدية التي ندركها‪،‬‬
  ‫ففي قصيدة (‪ 13‬جدع) يوظف‬            ‫ويمكن هنا أن نشير إلى السياقات‬
  ‫الشاعر قدراته في الشعر ليدخل‬      ‫التي يجري تداولها في معجم الشاعر‬
‫مضمار السرد‪ ،‬وقبل أن يلج حرم‬         ‫وتحكمها الانزياحات غير المتوقعة‪.‬‬
   ‫القصيدة يضع علامة إرشادية‬
 ‫كمفتتح للقصيدة «يا تعيش أسد‬        ‫ينتجه النص من صور وتراكيب‬          ‫تنزع القصيدة نحو الدخول في‬
‫وسط الأسود في النور‪ /‬يا تعيش‬                             ‫ودلالات‪.‬‬      ‫تفصيلات الحياة‪ ،‬وعلى خلاف‬
   ‫كما الحشرات في شق السور»‬                                           ‫الكلام العادي فإن ثمة مزاوجة‬
                                    ‫في هذا المسعى نرى اللغة تتحرك‬
                        ‫ص‪.92‬‬         ‫لتزيح عنها ركام الماضي وعمى‬           ‫بين رؤية المجانين للواقع‪،‬‬
    ‫وهي حكمة يعمقها ما جاء في‬        ‫الأشياء‪ .‬بقدر ما يقترب الشاعر‬    ‫وبين الواقع نفسه في تشكيلاته‬
     ‫المتن الشعري‪ ،‬حيث يؤسس‬        ‫من ملامسة الجوهر بقدر نجاحه‬
  ‫ذاكرة لها خصوصيتها وكيانها‬                                             ‫المراوغة‪ .‬وقصائد الشاعر في‬
    ‫رغم نبرة الرفض التي تسود‬           ‫حتى لو حرك اللغة بعي ًدا عن‬   ‫كتلتها الحرجة مراوغة‪ ،‬وتتلمس‬
   ‫الديوان كله‪ 13« :‬جدع راحوا‪/‬‬       ‫المتن‪ ،‬واستعان بالهوامش‪« :‬أنا‬  ‫عذابات المحبطين الذين يصارعون‬

       ‫وآخر وحش بينضف على‬               ‫عمري مش مؤمن بحظ‪ /‬كل‬            ‫كافة العناصر السالبة‪ ،‬وربما‬
     ‫جراحه‪ /‬فشد سلاحه خدها‬            ‫البشر بيقولوا حظ‪ /‬وأنا قلت‪:‬‬        ‫تلاشى التأثير العفوي الذي‬
 ‫صاروخ‪ /‬يمين في شمال‪ /‬عمار‬           ‫طظ‪ /‬عبيت ف قلبي التلج كله‪/‬‬          ‫يشعر به المتلقي في منحنيات‬
                                   ‫وصحيت لقيتني بخار‪ /‬وماكنش‬           ‫النص ذاته حين يحدد الشاعر‬
                                                                      ‫موقفه بعدم الإيمان بالحظ‪ ،‬هو‬
                                        ‫قصدي هزار ولا استهزاء‪/‬‬      ‫فقط مقتنع بما يمتلكه الإنسان من‬
                                   ‫وكأني أول طوبة للهدام‪ /‬حسيت‬        ‫قدرات حيث يتعامل بتلك الروح‬
                                   ‫بقوة أول الصدمات‪ /‬كل اللي فات‬         ‫التي لا تريد الهدم بل تسعى‬
                                    ‫كان جنة الجنات‪ /‬والوقتي جنة‬       ‫للبناء عبر أنساق تتجه لتوظيف‬
                                                                    ‫العلامات‪ ،‬والإمعان في التخفي بما‬
                                     ‫للي جي‪ /‬أه ًل يا روحي يا مش‬
                                                    ‫جبانة» ص‪.88‬‬
   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266   267