Page 267 - merit 54
P. 267

‫‪265‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

   ‫فإنها لن تقاضي المواطن (س)‬                    ‫شريف عبد المجيد‬           ‫البيع الصادرة عام ‪ 2007‬عن‬
       ‫الذي ا َّدعى أنها المسؤولة‪.‬‬                                       ‫دار ميريت والحاصلة علي جائزة‬
                                           ‫مسيطرة علي عالمنا‪ ..‬فالدول‬   ‫ساويرس في الأدب‪ ،‬والتي تنقسم‬
  ‫هكذا فإن الإنسان ‪-‬أي إنسان‪-‬‬            ‫الكبري تسيطر على الصغري‪..‬‬
‫في عالمنا المعاصر‪ ،‬متهم دائ ًما أمام‬     ‫والغني يسيطر علي الفقير‪ ..‬في‬       ‫إلي جزئين‪ ،‬نجدها تشير عبر‬
                                         ‫إشارة للامتلاك والهيمنة دون‬    ‫مضمونها وتكنيك السرد فيها إلي‬
  ‫التكتلات الكبيرة‪ ،‬بل وغير قادر‬         ‫قدرة أي منا على المواجهة وهو‬
‫علي الحصول على حقه‪ ،‬ليس فقط‬             ‫الأمر الذي اضطر المواطن (س)‬        ‫معاناة الإنسان في عالم العولمة‬
‫لعجزه‪ ،‬ولكن لقدرة هذه التكتلات‬         ‫إلي الاستكانة والاستسلام التام‪.‬‬  ‫والتكنولوجيا الجديثة التي التهمت‬
                                      ‫وقد اعتمد تكنيك السرد الذي جاء‬    ‫أحلامنا وأعمارنا‪ ،‬مثال ذلك قصة‬
     ‫على مصادرة أفكاره والعبث‬         ‫سل ًسا على العامل النفسي‪ ،‬إذ عبر‬  ‫«خدمات ما بعد البيع» التي تحمل‬
‫بقناعاته بأسلوبها الخاص‪ ،‬والذي‬          ‫من خلال الأسلوب الهجومي في‬      ‫المجموعة اسمها‪ ،‬والتي تمثل أزمة‬
 ‫يعتمد علي إشعار الفرد‪ /‬المواطن‬         ‫بداية القصة على تمسك المواطن‬
                                        ‫(س) بحقه في مقاضاة الشركة‬         ‫مواطن كان يظن امتلاكه لأثمن‬
      ‫البسيط بضعفه أمام قوتها‪،‬‬                                          ‫وأحدث غسالة حين زواجه‪ ،‬ولكنه‬
  ‫وبعدم قدرته على الامتلاك‪ ،‬ذلك‬              ‫التي اشتري منها غسالته‪،‬‬
  ‫الامتلاك الذي اعتقد المواطن أنه‬        ‫واصراره على ضرورة إصلاح‬           ‫تفاجأ عندما استدعي الصيانة‬
   ‫قد حازه بامتلاك الغسالة ذات‬         ‫غسالته المميزة التي كانت حديث‬    ‫بعد أن شكا عط ًل فيها بعد خمس‬
 ‫الموديل الحديث‪ ،‬فإذا به يكتشف‬        ‫الحي عند زواجه‪ ،‬لأن لديه ضمان‬
                                      ‫خمس سنوات من الشركة البائعة‪،‬‬          ‫سنوات أنها قد تقادمت بحكم‬
     ‫أنها قد تقادمت‪ ،‬ليس بسبب‬          ‫لكن سرعان ما تراجع واستسلم‬       ‫تسارع التكنولوجيا‪ ،‬وأنه المواطن‬
 ‫تسارع التكنولوجيا فقط وتقزمه‬           ‫بعد أن مارس المهندسون القهر‬
                                          ‫عليه‪ ،‬وأقنعوه بأن الذنب ذنبه‬       ‫الغلبان الذي ظن أن الغسالة‬
     ‫أمام أساليبها الحديثة‪ ،‬ولكن‬                                            ‫في فترة الضمان وأن الشركة‬
 ‫بسبب أنها مملوكة لكيانات قوية‬              ‫وأن الشركة العالمية واسعة‬      ‫مسؤولة عن صيانتها‪ ،‬فوجيء‬
                                          ‫الانتشار أو الشركة الأم ليس‬      ‫باتهام المهندسين القائمين على‬
             ‫ذات سلطة وهيمنة!‬              ‫عليها مسؤولية‪ ،‬وأنها بحكم‬      ‫الصيانة له باستخدام مسحوق‬
    ‫وتحيلنا قصة «السيد الذي لا‬        ‫قوتها في السوق وسمعتها الطيبة‬       ‫غسيل عادي لا يتفق مع ماركة‬

      ‫يحب الطيور» من مجموعة‬                                                    ‫الغسالة الثمينة وشركتهم‬
     ‫تاكسي أبيض الصادرة عام‬                                                  ‫العالمية‪ ..‬وعليه فإنه مسؤول‬
 ‫‪ 2014‬عن الدار المصرية اللبنانية‬
‫إلى ذلك التشوه الذي أصاب الفرد‬                                                ‫أن يدفع ثمن الصيانة وكل‬
     ‫والمجتمع الذي عمد إلى محو‬                                            ‫المصروفات المتعلقة بها‪ ،‬وأي ًضا‬
 ‫فطرتنا وانتمائنا وجذورنا‪ ،‬وهو‬                                           ‫عليه التعهد الكتابي بألا يستخدم‬
  ‫المعني الذي يشير إليه العنوان‪..‬‬
‫فالطيور هي تلك الكائنات الملائكية‬                                             ‫مسحو ًقا عاد ًّيا في تشغيلها‪.‬‬
     ‫الخفيفة المحلقة المنطلقة دون‬                                        ‫هكذا يعاني المواطن (س) ‪-‬الذي‬
    ‫قيد أو شرط‪ ،‬وهي بانطلاقها‬
   ‫في السماء العالية دون حواجز‬                                                ‫يعني اسمه كل مواطن وأي‬
    ‫أو إشارات‪ ،‬تناقض ذلك الثقل‬                                             ‫مواطن كتعميم وتجريد في آن–‬
 ‫الإنساني وكل الكائنات الأرضية‬                                             ‫من أزمة تقادم وتسارع الميكنة‬
   ‫المقيدة بالجاذبية الأرضية‪ ،‬مما‬                                           ‫والتكنولوجيا في عصر العولمة‬
      ‫يجعلنا نشعر دائ ًما بالعجز‬                                         ‫والتحكم والشركات التكنولوجية‬
   ‫والقصور قدي ًما وحديثًا‪ ،‬فطالما‬                                       ‫الكبري إزاء قلة موارده وتقزمه‪..‬‬
‫سعي الإنسان لاختراق السماوات‬
     ‫وتجاوز المسافات مثلها دون‬                                               ‫وهو في النهاية يصبح أسي ًرا‬
                                                                             ‫ضعي ًفا مغلو ًبا علي أمره‪ ..‬لا‬
                                                                         ‫يستطيع مواجهة العالم من حوله‬
                                                                          ‫والتكتلات الكبري التي أصبحت‬
   262   263   264   265   266   267   268   269   270   271   272