Page 268 - merit 54
P. 268

‫العـدد ‪54‬‬                           ‫‪266‬‬

                                     ‫يونيو ‪٢٠٢3‬‬

‫واجتماعي‪ ..‬لأنه يحارب الطبيعة‬         ‫على هذا الكائن الرقيق‪ ،‬من قطع‬       ‫جدوي‪ ..‬كما أنها تعبر عن الطهر‬
    ‫ببساطتها وشفافيتها متمثلة‬          ‫الأشجار التي تسكن فيها هذه‬        ‫والنقاء وجمال الطبيعة وبراءتها‪..‬‬
                                         ‫الطيور حول المبني السكني‪..‬‬
 ‫في الطيور‪ ،‬ويواجهها بكل تعا ٍل‬      ‫وبالرغم من تماديه بإطلاق النار‬           ‫وعندما نتأمل العنوان كعتبة‬
    ‫وتسلط‪ ..‬كما تكشف القصة‬           ‫عليها من فوق السطح وتحريضه‬            ‫للنص يصدمنا ذلك السيد الذي‬
                                        ‫لكل السكان لفعل ذلك‪ ..‬إلا أن‬        ‫يشير إليه العنوان‪ ،‬حيث يشير‬
 ‫عن محاربته للمجتمع بانحرافه‬           ‫هذه الطيور الملائكية تستمر في‬        ‫اللفظ ‪-‬في حد ذاته‪ -‬إلى المكانة‬
   ‫الوظيفي ومكاسبه المشبوهة‪..‬‬           ‫إلقاء الفضلات‪ ..‬ورغم أنه من‬        ‫والامتلاك والقوة‪ ..‬ويكشف في‬
    ‫لتربط القصة بهذا ‪-‬بأسلوب‬           ‫المعروف في المعتقد الشعبي أن‬        ‫مجمله عن قسوة وعداء وبغض‬
 ‫بسيط وعميق في آن‪ -‬بين النقاء‬          ‫فضلات الطيور تجلب السعادة‬          ‫لكل ما هو نقي وفطري‪ ..‬وتشي‬
   ‫الإنساني الذي يتفاعل مع كل‬           ‫والمال وهو أمر يعتقده الشرق‬        ‫بشخصية حبيسة داخل نفسها‬
‫ما يماثله‪ ،‬وبين الطيور التي تع ُّد‬                                         ‫ومكبلة بأغلال الكآبة والشعور‬
  ‫رم ًزا دا ًّل علي الشفافية والرقة‬      ‫والغرب م ًعا‪ ..‬فإننا نجد هذه‬     ‫بالأنا‪ ،‬وكأنها مخلوق متوحد مع‬
 ‫والطهارة والبراءة‪ ،‬وهو وصف‬           ‫الشخصية السيكوباتية تتشاءم‬
   ‫ذو مرجعية دينية‪ ،‬مما يجعل‬         ‫للدرجة التي تنهار بالفعل نفسيًّا‬        ‫نفسه راف ًضا للوجود‪ ،‬لأنه لا‬
  ‫النص السردي يتناص هنا مع‬                                                  ‫يرى إلا نفسه‪ ..‬وعندما نتوغل‬
                                          ‫واجتماعيًّا وعمليًّا‪ ..‬حتي أن‬      ‫أكثر فأكثر في النص السردي‬
     ‫الحديث النبوي الذي يشير‬           ‫زوجته لا تطيق الحياة معه هي‬        ‫نفاجأ بتلك الشخصية التي أبدع‬
  ‫لهذه البراءة والنقاء المتمثلة في‬
  ‫الطيور وأفئدتها‪ ..‬وهو ما ينتج‬           ‫وأولادهما بعد أن ترك عمله‬           ‫القاص شريف عبد المجيد في‬
 ‫سلو ًكا طيبًا في الباطن والظاهر‪،‬‬      ‫وتحولت هيئته إلى هيئة بائسة‬       ‫تصوير سيكولوجيتها المتعالية‪ ،‬أو‬
 ‫وينعكس على المجتمع من خلال‬             ‫كئيبة‪ ..‬وعندما تهم بتركه مع‬      ‫كما يسميه علم النفس الشخصية‬
‫أساليب وتعاملات شريفة ترتقي‬          ‫أبيها يطلق الرصاص عليهما كما‬         ‫البارانويا‪ ..‬تلك التي لا ترى أح ًدا‬
                                      ‫أطلق النار على الطيور‪ ..‬كمعادل‬
     ‫بالمجتمع‪ ..‬ويربط أي ًضا بين‬      ‫موضوعي لفشله في القضاء علي‬            ‫سواها‪ ،‬تلك الشخصية المتأنقة‬
 ‫التشوه النفسي من جهة‪ ..‬حتي‬                                                     ‫التي تسكن الأبراج العالية‬
                                                            ‫الطيور‪.‬‬
     ‫أن الشخصية الرئيسية هنا‬                 ‫القصة تسلط الضوء علي‬            ‫وتتكسب من أرباح البورصة‬
‫تتشاءم من الطيور عكس الطبيعة‬             ‫مزيج يتسم بانحراف نفسي‬          ‫وتتاجر بأسلوب قذر‪ ،‬ولا هم لها‬
‫الإنسانية السوية‪ ،‬وبين السلوك‬                                            ‫سوى الربح الرخيص الذي يزيف‬

                                                                              ‫كل شيء من أجل المال‪ ..‬هذا‬
                                                                                           ‫السيد المتعالي‬
                                                                                               ‫يلقي أحد‬

                                                                                         ‫الطيور فضلاته‬
                                                                                           ‫علي بذته ذات‬
                                                                                            ‫يوم‪ ،‬فتتحول‬
                                                                                                ‫ابتسامته‬

                                                                                          ‫وزهوه إلى غيظ‬
                                                                                              ‫وهيستيريا‬
                                                                                             ‫لا تنتهي إلا‬
                                                                                             ‫بمأساة‪ ..‬إذ‬
                                                                                               ‫على الرغم‬
                                                                                             ‫من إجراءات‬

                                                                                            ‫مشددة شنها‬
   263   264   265   266   267   268   269   270   271   272   273