Page 35 - merit 54
P. 35

‫‪33‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

     ‫الرومانسي‪ ،‬بـ”مثلث الحب”‪ ،‬معدو ًل أكان أم‬        ‫السياسية والاجتماعية في بريطانيا‪ ،‬إثر الانفصال‬
‫مقلو ًبا‪ ،‬أي رجلان وامرأة‪ ،‬أو امرأتان ورجل‪ .‬ولكن‬                               ‫عن الاتحاد الأوروبي‪.‬‬

  ‫يبدو لي‪ ،‬أن البنداري أبى أن يستخدم تلك الحيلة‬         ‫بنفس المنطق تقريبًا‪ ،‬يعتمد البندارى “الخريف”‬
  ‫الفنية كما هي‪ ،‬في شكلها المألوف‪ ،‬حيث يتصارع‬               ‫بط ًل‪ ،‬ولكنه على عكس غيره من الروائيين‪،‬‬
   ‫رجلان للفوز بقلب امرأة‪ ،‬أو غير المألوف‪ ،‬حيث‬
                                                        ‫وبإحساس فني عال بأهمية العنوان‪ ،‬كونه عتبة‬
     ‫تتصارع امرأتان لنيل قلب رجل‪ .‬فقد استبدل‬              ‫النص الأولي ومدخل قراءته‪ ،‬فإنه يسبق كلمة‬
    ‫البندارى الصراع الخارجي‪ -‬الداخلي التقليدي‪،‬‬
  ‫بصراع داخلي فقط‪ ،‬وجعل هذا الصراع الذكوري‬             ‫“الخريف”‪ ،‬في عنوان روايته‪ ،‬بكلمة عاكسه لأهم‬
     ‫صرا ًعا أنثو ًّيا‪ ،‬يدور داخل البطلة‪ ،‬في الفصول‬     ‫مظاهره وتأثيراته‪ ،‬وأعنى بها كلمة “الحدائق”‪،‬‬

       ‫الخمسة الأولي‪ .‬هنالك نجد أن المرأة‪ ،‬الهدف‬     ‫بنباتاتها وشجيراتها وأزهارها وأشجارها الباسقة‪.‬‬
     ‫والمقصد بل والمطمع‪ ،‬في شكل المثلث التقليدي‪،‬‬     ‫ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إنه يتجاوز ذلك إلى استخدام‬
  ‫هي من تحدد أضلاع المثلث‪ ،‬بل هي من تقرر إلى‬
  ‫أي ضلع تميل‪ ،‬بمعايير مفاضلتها‪ .‬فانمحى بذلك‬                 ‫لفظة “الحدائق” رم ًزا طبيعيًّا حيًّا‪ ،‬لكائنات‬
‫صراع الرجلين التقليدي‪ ،‬بل انزوى الرجلان أي ًضا‪.‬‬       ‫بشرية رقيقة‪ ،‬تتمثل في مجموعة من النساء‪ ،‬بلغن‬
   ‫ليس هذا فقط‪ ،‬وإنما استبدل البندارى أي ًضا ذلك‬
 ‫الصراع الخارجي‪ -‬الداخلي غير التقليدي‪ ،‬بصراع‬              ‫الخمسين تقريبًا من أعمارهن‪ ،‬ومن ثم دخلن‬
    ‫داخلي فقط‪ ،‬وجعل هذا الصراع الأنثوي صرا ًعا‬       ‫مرحلة التذبذب‪ ،‬بين الرجاء والقنوط‪ ،‬لا سيما فيما‬
‫ذكور ًّيا‪ ،‬يدور في داخل بطل الفصل السادس‪ ،‬الذى‬        ‫يختص بحيواتهن‪ ،‬التي صارت هي والعدم سواء‬
‫واجهه الروائي لا بمثلث الحب‪ ،‬ولكن بمربع الحب‪،‬‬
  ‫حيث أوجد له ثلاث نساء‪ ،‬لا تتصارعن للفوز به‪،‬‬          ‫مع أزواجهن‪ .‬إذن ما يعتور الحدائق في الخريف‪،‬‬
                                                      ‫يسري بالضرورة على النساء في أواخر أعمارهن‪،‬‬
               ‫ولكنه هو من يفاضل بين ثلاثتهن‪.‬‬
        ‫إذا نظرنا لحظيًّا‪ ،‬في عناوين فصول الرواية‬               ‫ومن هنا كانت الدلالة العميقة للعنوان‪.‬‬
 ‫الجانبية السبعة‪ ،‬سالفة الذكر‪ ،‬لوجدنا أنها تكشف‬         ‫وإن كان عنوان الرواية الرئيس دا ًّل‪ ،‬وذا مغزى‬
  ‫المستور‪ ،‬أو المسكوت عنه‪ ،‬من المحتوى المضموني‬
   ‫للرواية ككل‪ ،‬من خلال نسيج معقد وشائك‪ ،‬من‬               ‫عميق‪ ،‬فإن العناوين الداخلية‪ ،‬التي جاءت‪ ،‬في‬
     ‫العلاقات الإنسانية‪ ،‬في إطار الزواج وخارجه‪.‬‬            ‫تقديري‪ ،‬بدائل لفصول الرواية‪ ،‬تحمل أي ًضا‬
   ‫غير أن نفس العناوين تكشف‬                                ‫عناوين موحية‪ ،‬لا تقل بحال من الأحوال‪ ،‬في‬
  ‫أي ًضا‪ ،‬من ناحية الشكل الفني‪،‬‬                        ‫دلالتها وإيحاءاتها‪ .‬فوف ًقا لرؤيتي‪ ،‬قسم البندارى‬
    ‫فرادى كانت أو مجتمعة‪ ،‬عن‬                              ‫عمله إلى سبعة أجزاء‪ ،‬جاءت على النحو الآتي‪:‬‬
    ‫كيان فكري متصدع‪ ،‬يوازي‬                           ‫“رنين الصمت” و”الصياح في الوديان” و”جموح‬
    ‫على المستوى المجازي‪ ،‬تفسخ‬                             ‫الهزيمة” و”فوق الحافة” و”اهتزاز الأرض”‬
     ‫أوجشة الأشجار‪ ،‬في حدائق‬
 ‫الخريف‪ ،‬وبالتالي تحلل وتفتت‪،‬‬                                             ‫و”ضبابية القناع” و”هدير‬
     ‫أو بالأحرى‪ ،‬تفكك العلاقات‬                                       ‫العاصفة”‪ .‬هذه العناوين مختارة‬
‫الإنسانية‪ ،‬بشك ٍل عام‪ ،‬والزوجية‬
‫بشك ٍل خاص ‪-‬إن لم أقل تعفنها‪-‬‬                                              ‫بعناية وقصدية‪ ،‬من جانب‬
                                                                       ‫البندارى‪ ،‬من الناحية الفنية‪ ،‬أو‬
           ‫بتقادم العمر والزمن‪.‬‬                                         ‫من ناحية المبنى‪ ،‬كما سأفصح‬
 ‫وتدور أحداث الرواية في منطقة‬                                       ‫بعد قليل‪ .‬غير أنه وظفها‪ ،‬في نفس‬
                                                                       ‫الوقت‪ ،‬من ناحية المضمون‪ ،‬أو‬
      ‫التجمع الخامس‪ ،‬بالقاهرة‬                                           ‫ناحية المعنى‪ ،‬كبوابات كاشفة‬

                                                                         ‫لحدائقه‪ ،‬أو نسائه بعلاقاتهن‬
                                                                                 ‫المتشابهة‪ -‬المختلفة‪.‬‬

                                                                      ‫الشاهد في الأمر هنا‪ ،‬أن الغالبية‬
                                                                      ‫العظمي من هذه العلاقات‪ ،‬تقوم‬
                                                                        ‫على ما يعرف‪ ،‬في ساحة الأدب‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40