Page 178 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 178

‫الإلهة عشتار‬   ‫العـدد ‪24‬‬        ‫‪176‬‬

                                              ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

 ‫البغاء مق َّد ًسا لدى الشعوب‬     ‫ورفعها إلى مراتب الألوهة‪،‬‬
‫القديمة‪ ،‬ذلك أ ّن «مهنة البغاء‬  ‫أو خفضها إلى درجة المسوخ‬
 ‫قد وصلت أعلى مراحلها من‬
 ‫الفن والرقي على يد الإغريق‬           ‫ومراتب الحيوانات»(‪.)8‬‬
                                        ‫ولمّا كان الأمر كذلك‪،‬‬
  ‫الذين وصلوا بحب الجسم‬
 ‫الطبيعي للمرأة إلى حد مثالي‬         ‫أصبحت المرأة بجسدها‬
  ‫في الفن‪ ،‬وإلى عبادة روحية‬             ‫الأنثوي مادة للثقافة‬
‫في الدين‪ .‬وقد روت كثير من‬
‫المؤلفات قصة العاهرة فراين‬         ‫الذكورية تمارس سلطتها‬
 ‫التي أقيمت ضدها دعوى في‬         ‫عليه‪ ،‬وصفحة بيضاء يكتب‬
 ‫المحاكم‪ ،‬وعندما ضاقت بها‬
 ‫الحجة والبيّنة وأشرفت على‬         ‫الرجل فيها ما يشاء‪ .‬وقد‬
‫خسران الدعوى‪ ،‬كشفت عن‬             ‫نتج عن ذلك أن كانت المرأة‬

  ‫جسمها أمام المحكمة «هذه‬           ‫رم ًزا لفلسفة استسلامية‬
‫حجتي» فربحت الدعوى‪ .‬لقد‬          ‫انهزامية‪ ،‬لا تملك من أمرها‬
                                  ‫شيئًا‪ ،‬وهي إن تح ّررت من‬
   ‫كان تولّع الإغريق بجمال‬      ‫قيود الرجل‪ ،‬إنما تتح ّرر فقط‬
     ‫الجسم الأنثوي والتل ّذذ‬     ‫في فترتي الحيض والنفاس‪،‬‬
                                  ‫إذ لا يطلبها ولا يرغب فيها‬
  ‫بالعملية الجنسية نو ًعا من‬
 ‫الا ّتصال الروحي بالآلهة لا‬       ‫لإشباع شهوته الجنسية‪،‬‬
  ‫يم ّت إلى الفحش بصلة»(‪.)9‬‬     ‫ولكنه للأسف تح ّرر مع وهن‬
‫فك ّل شعوب العالم القديمة قد‬
  ‫مارست البغاء‪ ،‬وقد حظيت‬                          ‫وضعف‪.‬‬

    ‫شخصية العاهرة بمكانة‬        ‫الجنس واستراتيجية‬
      ‫مرموقة عندهم‪ ،‬ونالت‬        ‫التغريب‪ /‬المقدس‬
                                      ‫والمدنس‬
‫احترام رجال الدين والمعابد‪،‬‬
    ‫فكان البغاء منتش ًرا لدى‬          ‫إ ّن الحديث عن الجسد‬
   ‫الهنود واليهود والإغريق‬      ‫‪-‬خاصة الأنثوي منه‪ -‬اقترن‬
    ‫واليابانيين وحتى سكان‬       ‫مباشرة بمقولة الجنس الذي‬
     ‫البحر الأبيض المتوسط‪.‬‬      ‫ارتبط هو بدوره بالشيطان‪/‬‬
        ‫و»تحدثنا المكتشفات‬
                                   ‫المرأة وبالعنف وبالرذيلة‪،‬‬
‫الأركيولوجية والرقم الطينية‬       ‫باعتبار أ ّن حواء أغوت آدم‬
 ‫عن طقوس البغاء المقدس في‬          ‫جنسيًّا عبر مفاتن جسدها‬
  ‫الحضارات القديمة‪ .‬فالمعبد‬
                                       ‫حتى أكل من الشجرة‬
   ‫المقدس للإلهة عشتار كان‬      ‫المحرمة‪ .‬ولهذا صار الحديث‬
     ‫يحوي على مجموعة من‬          ‫عن الجسد الأنثوي والجنس‬
    ‫البغايا المقدسات اللواتي‬
                                    ‫مليئًا بالتابوهات‪ ،‬ويحيل‬
 ‫تقع عليهن ممارسة الجنس‬           ‫مباشرة إلى الرذيلة والبغاء‬
  ‫مع الأغراب نيابة عن بنات‬
                                     ‫إذا كان خارج مؤسسة‬
      ‫جنسهن‪ ،‬وكان الجنس‬                             ‫الزواج‪.‬‬

                                ‫وم ّما يثير التأمل هنا‪ ،‬أن نجد‬
   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183