Page 177 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 177

‫الملف الثقـافي ‪1 7 5‬‬

   ‫عقوبة إلهية تطال جسدها‬        ‫“بداية يتوجه فعل التصميت‬              ‫الشجرة‪ ،‬إ َّل أ ّن الثقافة‬
       ‫للخطيئة الكبرى التي‬       ‫نحو جسد المرأة كونها مفتاح‬       ‫الذكورية حكمت على الجنس‬
                                 ‫الخطيئة من وجهة نظره ‪-‬أي‬
‫ارتكبتها حين ع ّضت الشجرة‬                                              ‫حك ًما أخلاقيًّا‪ ،‬وح ّولته‬
       ‫المحرمة‪ .‬وقد ر ّسخت‬           ‫الرجل‪ ،-‬ورغم أن تاريخ‬             ‫من كونه قيمة مقدسة‬
                                 ‫الكون هو أمومي (متريركي)‬              ‫وفعل محترم‪ ،‬إلى قيمة‬
   ‫الميثولوجيا التوراتية وكذا‬                                        ‫دنيوية وفعل محرم ‪-‬إ َّل‬
 ‫الإسلامية هذه الفكرة‪ ،‬فهو‬            ‫بداية‪ ،‬إلا أنه في حقيقته‬        ‫في حدود‪ ،-‬وربطت بين‬
                                    ‫المدونة إسلاميًّا بطريركي‪.‬‬      ‫الجنس والخطيئة‪ ،‬أي بين‬
   ‫دم مدنس يختلف عن دم‬                                              ‫الجنس والمرأة‪“ ،‬فالجنس‬
‫القرابين المقدس‪ .‬وهو رمز ًّيا‬         ‫وبد ًل من أن يدشن هذا‬          ‫قد ت ّم تغريبه بسبب تلك‬
 ‫لعنة أدبية أصابت المرأة لأ ّن‬        ‫التاريخ من خلال المرأة‪،‬‬       ‫النظرة المعتمة التي ربطته‬
                                     ‫لأنها هي التي كانت أداة‬      ‫قس ًرا بمأتم الخطيئة الكونية‬
    ‫الله لم يقبل توبتها‪ ،‬بينما‬     ‫المعرفة الإنسانية‪ ،‬إذ ليست‬      ‫الأولى‪ ،‬وأسلمته بالتالي إلى‬
 ‫قبل توبة آدم الذي ك ّفر عن‬           ‫الشجرة المحرمة‪ ،‬سوى‬            ‫تلك الثقافة البطريركية‪-‬‬
                                      ‫إشارة إلى بداية التاريخ‬          ‫الثيوقراطية‪ ،‬التي تميل‬
     ‫خطيئته بافتدائه كب ًشا‪.‬‬          ‫البشري للعالم‪ ،‬أو بداية‬        ‫إلى تدنيس حقائق الكون‬
 ‫والواقع أ ّن «الحقيقة البدهية‬      ‫المعرفة‪ .‬نعم لقد كانت هي‬          ‫والحياة‪ ،‬وتربطها رب ًطا‬
                                 ‫المكتشفة‪ ،‬ولكنها أصبحت في‬        ‫قسر ًّيا بالرموز المندثرة”(‪.)6‬‬
    ‫التي تجابهنا بها الحياة‪،‬‬      ‫الحقيقة المتداولة حتى الآن‪،‬‬      ‫إنه لمّا يثير الغرابة ح ًّقا‪ ،‬أن‬
‫تتل ّخص في استحالة استمرار‬         ‫في النصوص الدينية‪ ،‬ومن‬          ‫يت ّم تحويل الجنس من فعل‬
                                  ‫بينها الإسلامية‪ ،‬هي المتهمة‬    ‫مقدس إلى فعل مدنس مقترن‬
  ‫النوع البشري اعتما ًدا على‬        ‫والمذنبة‪ .‬وأصبحت ملحقة‬       ‫بالخطيئة والعنف‪ ،‬إنه تحويل‬
  ‫أحد الجنسين‪ ،‬فاستمرارها‬          ‫بالرجل‪ ،‬تعيش على هامش‬             ‫أيديولوجي‪ ،‬مع أ ّن الفعل‬
                                      ‫نصه‪ ،‬مثلما خلقت حواء‬            ‫الجنسي الذي جمع آدم‬
      ‫مرهون بإسهام مو ّزع‬           ‫من ضلع آدم‪ ،‬حيث أسقط‬         ‫بحواء كان فع ًل مقد ًسا بدليل‬
    ‫بالتساوي المطلق بينهما‪،‬‬         ‫عليها الرجل كل إخفاقاته‪،‬‬     ‫أن الملائكة أمرت آدم أن يأتي‬
 ‫ولكن هذه المساواة‪ ،‬البدهية‬         ‫واحتفظ بتلك الانتصارات‬           ‫زوجه وعلمته كيف يفعل‬
  ‫من الناحية البيولوجية‪ ،‬لم‬          ‫التي حققها‪ ،‬بد ًل من كل‬       ‫ذلك كما جاء في الميثولوجيا‬
   ‫تستطع أن تظ ّل نفسها في‬       ‫ذلك‪ ،‬إذا به يحاصرها بالتهم‪،‬‬
    ‫سيرورة الثقافة والحياة‬        ‫ويب ّث في جسدها‪ ،‬ك ّل ما من‬                     ‫الإسلامية‪.‬‬
    ‫اليومية والتاريخ‪ .‬وربما‬       ‫شأنه إظهارها منب ًعا للفجور‬           ‫لقد ش ّكلت قصة خلق‬
                                      ‫والخراب والشرور”(‪.)7‬‬         ‫حواء من ضلع أيسر أعوج‬
        ‫تج ّل السبب الرئيس‬       ‫إ ّن الرجل عبر تاريخه الطويل‬          ‫مأخوذ من آدم الإطار‬
  ‫للانقلاب على تلك المساواة‬         ‫وعلاقته الدائمة بالمرأة‪ ،‬لم‬      ‫المرجعي لقضية اضطهاد‬
  ‫القائمة بيولوجيًّا ومنطقيًّا‪،‬‬     ‫يستطع أن يستوعب دور‬            ‫المرأة وقمعها في كل مراحل‬
                                   ‫شريكه الأنثوي في الحفاظ‬             ‫التاريخ الإنساني‪ .‬وت ّم‬
    ‫فيما يمكن أن نطلق عليه‬        ‫على الجنس البشري‪ ،‬ولا أن‬           ‫إقصاؤها وتصميتها عبر‬
  ‫«إشكالية الأنوثة» بوصف‬          ‫يتف ّهم التغيرات الطارئة على‬        ‫الزمن لتختزل في مجرد‬
                                     ‫جسد المرأة بصفة دورية‬         ‫جسد هو ملك للرجل يفعل‬
     ‫الأنثى ‪-‬من وجهة نظر‬              ‫كالحيض والنفاس‪ .‬لهذا‬
    ‫الذكر‪ -‬كائنًا آخر مكت ًّظا‬        ‫لطالما اعتبر دم الحيض‬                     ‫فيه ما يشاء‪.‬‬
  ‫ومغل ًفا بالألغاز والأسرار‪،‬‬
    ‫فهي كائن معرض دائ ًما‬
‫للتبدلات والتغيرات الحاسمة‬
 ‫من الناحية الجسدية‪ .‬وكان‬
     ‫الجهل البشري بحقيقة‬
     ‫تلك التبدلات وأساسها‬
     ‫البيولوجي‪ ،‬وراء إخراج‬
  ‫المرأة من صفتها البشرية‪،‬‬
   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182