Page 181 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 181

‫‪179‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫أن نجد المرأة محصورة‬           ‫ناتئة الركب‪ .‬فقال‪ :‬ويحك‪،‬‬             ‫فم ّما جاء في تراثهم قول‬
   ‫في صفتي الجمال والرحم‬          ‫وأ ّنى توجد هذه؟ قال‪ :‬تجدها‬            ‫أعرابي‪“ :‬أفضل النساء‪،‬‬
                                                                       ‫أطولهن إذا قامت‪ ،‬أعظمهن‬
     ‫الولود‪ ،‬فإذا ما فقدتهما‬            ‫في خالص العرب أو في‬          ‫إذا قعدت‪ ،‬أصدقهن إذا تابت‪،‬‬
  ‫كأنها فقدت أسباب حياتها‪،‬‬                 ‫خالص الفرس»(‪.)16‬‬            ‫وإذا ضحكت تب ّسمت‪ ،‬وإذا‬
 ‫ومبررات وجودها‪ ،‬وفي هذا‬                                                ‫غضبت حلمت‪ ،‬التي تطيع‬
‫جور كبير لها‪ .‬فإذا كان فعل‬              ‫ونلاحظ هذا التفنن في‬         ‫زوجها وتلتزم بيتها‪ ،‬العزيزة‬
                                       ‫تصوير الجسد الأنثوي‬            ‫في قومها‪ ،‬الذليلة في نفسها‪،‬‬
    ‫الزمن يمنح الرجل الحلم‬                                           ‫الودود الولود التي ك ّل أمرها‬
 ‫والعقل والخبرة‪ ،‬فإنه يسلب‬                 ‫ورسمه كأنه لوحة‬
                                  ‫فسيفساء‪ .‬وهو تصوير نابع‬                           ‫محمود”(‪.)15‬‬
     ‫المرأة ‪-‬إضافة إلى سلبه‬                                              ‫هذا ونجد ن ًّصا آخر أكثر‬
   ‫إياها جمالها وخصوبتها‪-‬‬            ‫عن مخيلة ذكورية شبقية‬
                                      ‫تتل ّذذ بسحر هذا الجسد‪،‬‬             ‫تفصيلا‪ ،‬كأ ّن الواصف‬
    ‫ما منحه لل ّرجل‪ ،‬فتصبح‬            ‫وتتوق إلى الجمال البكر‪.‬‬          ‫فيه يرسم بورتريه للجسد‬
 ‫جس ًدا خاو ًيا فار ًغا من قيمه‬    ‫إنه جمال يثير رغبة الرجل‪،‬‬
                                     ‫ويشعل نار الشهوة‪ ،‬فهو‬                 ‫النموذج الذي ُيشتهى‬
    ‫الجمالية الظاهرة‪ ،‬وحتى‬            ‫الجسد المثال لممارسة كل‬               ‫و ُير َغب فيه‪ .‬إنه رسم‬
    ‫من قيمه المعنوية الباطنة‪.‬‬        ‫الطقوس الجنسية الممكنة‪.‬‬                 ‫لتفاصيل جسد متّقد‬
  ‫إنه إقصاء للجسد الأنثوي‪،‬‬        ‫وفي المقابل‪ ،‬نعثر على وصف‬            ‫بالشهوة يحيل مباشرة إلى‬
     ‫وتهميش للمرأة‪ ،‬وسلب‬            ‫للجسد الثاني غير المرغوب‬           ‫الجنس‪« .‬قال عبد الملك بن‬
                                     ‫فيه‪ ،‬الجسد الذي لا جمال‬            ‫مروان لرجل من غطفان‪:‬‬
                    ‫لكيانها‪.‬‬                                              ‫صف لي أحسن النساء‪،‬‬
   ‫وأ ًّيا ما كان جوهر الشأن‪،‬‬           ‫فيه ولا خصوبة‪« .‬قيل‬            ‫قال‪ :‬خذها يا أمير المؤمنين‬
                                   ‫لأعرابي عالم بالنساء‪ :‬صف‬                ‫ملساء القدمين‪ ،‬ردماء‬
     ‫فقد تراوحت النظرة إلى‬         ‫لنا ش ّر النساء‪ .‬قال‪ :‬ش ّرهن‬         ‫الكعبين‪ ،‬مملوءة الساقين‪،‬‬
‫الجسد الأنثوي بين التقديس‬         ‫النحيفة الجسم‪ ،‬القليلة اللحم‪،‬‬        ‫ج ّماء الركبتين (غير بارزة‬
‫ح ّد التأليه‪ ،‬وبين التدنيس ح ّد‬                                          ‫العظمين)‪ ،‬ل ّفاء الفخذين‪،‬‬
                                      ‫الطويلة السقم‪ ،‬المحياض‬              ‫مقرمدة الرفغين (أصلي‬
  ‫المسخ‪ .‬والمرأة عبر تاريخها‬      ‫الممراض الصفراء‪ ،‬المشؤومة‬          ‫الفخذ)‪ ،‬ناعمة الإليتين‪ ،‬منيفة‬
   ‫الطويل لم تكن إ َّل ضحية‬                                              ‫المأكمتين (عظيمة ملاقي‬
                                     ‫العسراء‪ ،‬السليطة ال ّدفراء‪،‬‬          ‫العجز)‪ ،‬فعمة (ممتلئة)‬
‫الثقافة الذكورية الاستيلابية‪،‬‬      ‫السريعة الوثبة‪ ،‬كأن لسانها‬          ‫العضدين‪ ،‬فخمة الذراعين‪،‬‬
‫ورهينة التص ّورات الكهنوتية‬       ‫حربة‪ ،‬تضحك من غير عجب‪،‬‬                 ‫رخصة (ناعمة) الكفين‪،‬‬
                                                                            ‫ناهدة الثديين‪ ،‬حمراء‬
    ‫المتسلّطة‪ .‬لم تحظ بمكانة‬         ‫وتقول الكذب‪ ،‬وتدعو على‬               ‫الخدين‪ ،‬كحلاء العينين‪،‬‬
       ‫مرموقة إ َّل في مرحلة‬          ‫زوجها بالحرب‪ ،‬أنف في‬              ‫ز ّجاء (رقيقة) الحاجبين‪،‬‬
                                    ‫السماء‪ ،‬وآست في الماء»(‪.)17‬‬      ‫لمياء الشفتين‪ ،‬بلجاء الجبين‪،‬‬
  ‫المجتمع الأمومي الموغل في‬        ‫وفي رواية أخرى قيل‪« :‬آخر‬               ‫ش ّماء العرنين (الأنف)‪،‬‬
  ‫القدم‪ ،‬ث ّم فقدت هذا الموقع‬        ‫عمر الرجل خير من أوله‪:‬‬          ‫شنباء الثغر (بياض أسنانه)‪،‬‬
    ‫لتتدنى منزلتها إلى مجرد‬        ‫يثوب حلمه‪ ،‬وتثقل حصاته‪،‬‬             ‫حالكة الشعر‪ ،‬غيداء العنق‪،‬‬
  ‫جسد هو ملكية جماعية أو‬               ‫و ُتحمد سريرته‪ ،‬و َتكمل‬       ‫عيناء العينين‪ ،‬مك َّسرة البطن‪،‬‬
                                      ‫تجاربه‪ .‬وآخر عمر المرأة‬
     ‫فردية للرجل‪ .‬وبتحويل‬          ‫ش ّر من أوله‪ :‬يذهب جمالها‪،‬‬
   ‫الأسطورة إلى أيديولوجيا‬              ‫و َيذ َر ُب لسانها‪ ،‬وتع ُقم‬
  ‫موجهة توجي ًها ذكور ًّيا‪ ،‬ت ّم‬    ‫رحمها‪ ،‬ويسوء ُخلقها»(‪.)18‬‬
  ‫تغريب هذا الجسد وتغريب‬            ‫وم ّما هو جليّ في هذا المقام‪،‬‬
  ‫الجنس كذلك‪ .‬فبعد أن كان‬

      ‫الجنس فع ًل مقد ًسا له‬
‫طقوسه وأبعاده الروحية عند‬
‫الشعوب القديمة‪ ،‬أصبح فع ًل‬
   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185   186