Page 225 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 225

‫‪223‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رأى‬

    ‫التاريخ الحديث‬                       ‫الخطاب في إزهاق الكثير من‬           ‫للنمو‪ ،‬ورغم ذلك‪ ،‬كما سبقت‬
                                       ‫الأرواح‪ ،‬وقيل إنه أودى بحياة‬       ‫الإشارة‪ ،‬استغرق كوكب الأرض‬
     ‫تعرضت الكرة الأرضية عبر‬          ‫‪ 30 -25‬أل ًفا؛ من بينهم جماعة‬
        ‫تاريخها الحديث لاجتياح‬                                               ‫مئة عام؛ كي يتخلص من آثار‬
                                           ‫من كبار الصحابة‪ .‬وينظر‬           ‫الدمار‪ ،‬الذي عصف به‪ ،‬ويذكر‬
  ‫الأمراض لها‪ ،‬والتي تسببت في‬           ‫المؤرخون له؛ باعتباره امتدا ًدا‬
‫وفاة الكثير من أهلها‪ ،‬ولم يقتصر‬        ‫لوباء جستنيان‪ ،‬وهو أول وباء‬             ‫المؤرخون‪ ،‬أن البشر عاشوا‬
                                                                           ‫سنوات من الازدهار والانتعاش‬
  ‫تأثيرها على بلد بعينها‪ ،‬بل كان‬          ‫يظهر في الدولة الإسلامية‪،‬‬        ‫بعد هذا الدمار العظيم‪ ،‬ما يؤكد‬
   ‫يمتد لكل بلدان العالم المعمور‪،‬‬     ‫و ُسمي نسبة إلى قرية َع َمواس‪،‬‬
    ‫ففي عام ‪ 1720‬ضرب مدينة‬                                                  ‫على حقيقة ثابتة وراسخة عبر‬
                                          ‫حيث ُصكت شهادة ميلاده‬            ‫التاريخ‪ ،‬وهي أن كوكب الأرض‬
     ‫مارسيليا الفرنسية الطاعون‬          ‫فيها‪ ،‬ومنها انتشر في المنطقة‪.‬‬     ‫قادر على أن ُيعيد النهوض دائ ًما‬
 ‫العظيم‪ ،‬وقتل أكثر من مائة ألف‬          ‫وقد امتنع الخليفة الراشد عن‬      ‫بعد كل كارثة تصيبه‪ ،‬فالحياة لن‬
                                    ‫الذهاب إلى بلاد الشام‪ ،‬وأمر بعدم‬       ‫تتوقف إلا أن يشاء الله سبحانه‬
   ‫شخص(‪ ،)7‬وفي عام ‪ 1820‬بدأ‬         ‫دخولها‪ ،‬أو خروج المصابين منها‪،‬‬
     ‫مرض الكوليرا من أندونسيا‬          ‫وهو ما ُيع ُد أول الطرق العملية‬                          ‫تعالى(‪.)3‬‬
     ‫وتايلند والفلبين‪ ،‬وكان وبا ًء‬  ‫لتطبيق أسلوب الحجر الصحي(‪.)5‬‬
‫عظي ًما توفي فيه أكثر من مائة ألف‬                                             ‫وباء جستنيان‬
‫شخص‪ ،‬وفي عام ‪ 1920‬اجتاحت‬                  ‫الموت الأسود‬
‫العالم الإنفلونزا الإسبانية‪ ،‬والتي‬                                          ‫وفي عام ‪541‬م‪ ،‬أي بعد خمس‬
  ‫اعتبرت حينها كارثة بشرية‪ ،‬إذ‬        ‫كان طاعون «الموت الأسود» من‬         ‫سنوات من «عام الهلاك»‪ ،‬أصاب‬
   ‫أصيب بها ‪ 100‬مليون‪ ،‬وعجز‬              ‫أخطر الأوبئة‪ ،‬وأشدها فت ًكا‪،‬‬
 ‫المتخصصون عن إيقافها(‪ ،)8‬وها‬           ‫وقدرة على الانتقال والانتشار‬        ‫طاعون (الدملي) مناطق أوروبا‬
     ‫نحن في عام ‪ 2020‬نتعرض‬                                                 ‫والشرق الأدنى القديم (الأوسط‬
   ‫لفيرس كورونا‪ ،‬والذي انطلقت‬       ‫السريع‪ ،‬إذ بدأ في الصين في سنة‬
   ‫شراراته الأولى من أكبر تجمع‬      ‫‪1331‬م‪ ،‬ثم انتقل سري ًعا إلى الهند‪،‬‬      ‫حاليًا)‪ُ ،‬عرف بوباء جستنيان‪،‬‬
   ‫بشري على سطح الأرض‪ ،‬من‬                                                      ‫نسبة للإمبراطور جستنيان‬
‫الصين‪ ،‬وأدى إلى عزل مقاطعات‪،‬‬          ‫وعبر الشرق الأدنى اجتاج كافة‬           ‫العظيم‪ ،‬والذي وقع في عهده‪،‬‬
                                       ‫أنحاء أوروبا في سنة ‪1348‬م‪،‬‬
               ‫وولايات‪ ،‬ودول‪.‬‬                                            ‫وامتد إلى الإمبراطورية الساسانية‬
  ‫بالرجوع إلى كتاب دليل الخليج‬       ‫وتفشى حتى عام ‪1352‬م‪ ،‬وراح‬                ‫في بلاد فارس‪ ،‬ومعظم مدن‬
   ‫لجون لوريمر ‪John Lorimer‬‬         ‫ضحيته أكثر من ُثلث سكان العالم‬            ‫عالم البحر المتوسط‪ ،‬و ُتشير‬

     ‫(‪)9()1914 -1870‬؛ تبين أن‬          ‫المعمور حينئذ‪ ،‬يقدرون بحوالي‬        ‫بعض المصادر التاريخية إلى أنه‬
     ‫ُجل‪ ،‬إن لم يكن كل‪ ،‬موجات‬           ‫‪ 200‬مليون شخ ًصا‪ ،‬وتسبب‬             ‫حصد ما بين ‪ 50 -30‬مليون‬
 ‫الأمراض الوبائية‪ ،‬التي اجتاحت‬        ‫في تغيرات اقتصادية واجتماعية‬        ‫شخص‪ ،‬أي حوالي نصف سكان‬
 ‫العالم قد انطلقت شرارتها الأولى‬      ‫كبيرة‪ ،‬إذ أدى إلى اختفاء طبقات‬      ‫العالم حينئذ‪ ،‬كما كانت له تبعات‬
   ‫من الصين‪ ،‬أو الهند‪ ،‬وأن كلها‬       ‫اجتماعية من المجتمع الأوروبي‪.‬‬          ‫اقتصادية كبيرة على مستوى‬
    ‫أو ُجلها وصل إلى الحجاز مع‬                                              ‫العالم؛ لتسببه في وقف التبادل‬
‫الحجاج القادمين من جنوب شرق‬                ‫وقد لجأت بعض المدن إلى‬
   ‫آسيا‪ ،‬كما كانت هذه الطواعين‬        ‫تعليق التبادل التجاري مع المدن‬           ‫ال ُتجاري تما ًما بين المدن(‪.)4‬‬
  ‫تأتي قادمة مع السفن التجارية‬
   ‫التي تنقل البضائع‪ ،‬وتمر عبر‬          ‫الموبوءة‪ ،‬كما عزلت المصابين‬           ‫طاعون َع َمواس‬
‫إيران والجزيرة العربية لتصل إلى‬       ‫في مكان واحد‪ ،‬وحجزت السفن‬
                                                                              ‫تسبب طاعون َع َمواس (‪-17‬‬
                                         ‫القادمة لمدة أربعين يو ًما قبل‬     ‫‪18‬هـ‪639 /‬م)‪ ،‬والذي وقع في‬
                                       ‫السماح لها بالرسو في موانئها‬         ‫بلاد الشام‪ ،‬في خلافة عمر بن‬

                                                 ‫وإفراغ حمولتها(‪.)6‬‬
   220   221   222   223   224   225   226   227   228   229   230