Page 220 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 220

‫العـدد ‪24‬‬                              ‫‪218‬‬

                                                         ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

    ‫تسللت منذ فترة إلى صفحات‬                                 ‫ومغاور ومتاهات‪ِ ،‬من صو ٌر‬                    ‫قصيرة طريفة وقاسية‪.‬‬
‫مواقع التواصل الاجتماعي‪ ،‬ولكن‬                             ‫وأصوات‪ .‬يأوي أغلبنا في داخله‬               ‫أ ًّيا كان رد فعلنا‪ ،‬وسواء ما َل‬
                                                                                                     ‫للاعتدال أو ش َّط ح َّد التطرف‪،‬‬
    ‫بلا أناقة ولا رحمة أو شفقة‪.‬‬                          ‫َتو ٌق لأن يظهر (على حقيقته) ذات‬           ‫سواء استجبنا بعنف أو غضب‬
     ‫راجت‪ ،‬فجأة كالعادة‪ ،‬موج ُة‬                              ‫يوم‪ ،‬لأن يكشف عن كل ذلك‬              ‫أو أخذنا ننبش عمي ًقا في جراحنا‪،‬‬
     ‫ُسخرية ِمن أوهام «ال ُعمق»‪،‬‬                                                                     ‫فإ َّن أغلب الناس‪ ،‬لا سيما َمن‬
                                                           ‫الثراء الذي في داخله للآخرين‪.‬‬
      ‫وتحدي ًدا ِمن َربطه بمظاهر‬                         ‫أن يتب َّدى أمام شخ ٍص واحد على‬                ‫يزعمون أنهم ِمن أهل الفن‬
  ‫غخاالبًرا)جي ِةمن( نشوديعدتةناالو َّلس ْاطلقحيهةوة أو‬  ‫الأقل‪ ،‬يعرفه معرف ًة حميمة‪ ،‬وهذا‬              ‫والأدب‪ ،‬يبح ُث عن ُعم ٍق ما‪،‬‬
                                                                                                    ‫يتخيلونه و ُيوحون به لأنفسهم‬
    ‫الشوكولاتة مع الاستماع إلى‬                               ‫ما ُيس َّمى ال ُحب‪ ،‬أو أن يتب َّدى‬   ‫وللآخرين‪ ،‬يحادثونه ويتحدثون‬
     ‫صوت فيروز بصحبة رواي ٍة‬                              ‫أما َم أكبر عدد ممكن من الناس‪،‬‬          ‫عنه‪َ ،‬فكأ َّنهم يمدون ِعصيًّا طويلة‬
 ‫ِمثل قواعد ال ِعشق الأربعون‪ ،‬ويا‬                          ‫يعرفونه معرف ًة َنوعية‪ ،‬وهذا ما‬         ‫ورفيعة في المياه التي ُتبحر فيها‬
‫سلام لو كانت الدنيا شتاء والمطر‬                                                                     ‫عقولهم‪ ،‬وكلَّما غاصت ال ِعصي‬
                                                                            ‫ُيس َّمى ال َفن‪.‬‬       ‫أكثر اتسعت ابتساماتهم وزادت‬
              ‫يسقط في الخارج‪.‬‬                                 ‫ليس لد َّي تعريف أو تص ُّور‬         ‫ثقتهم وانفتحت شهيتهم للإبحار‬
‫ال ُّسخرية ُهنا مو َّجهة نحو صورة‬
                                                                ‫مبدئي لل ُعمق‪ ،‬ذلك الشيء‬                          ‫إلى ما لا نهاية‪.‬‬
  ‫مسكوكة وجاهزة َسل ًفا لكل َمن‬                               ‫الغامض الخ َّلب‪ ،‬ذلك الذي‬          ‫يشع ُر الواحد منَّا‪ ،‬وإن لم يقل هذا‬
    ‫يريد الظهور بمظهر الشخص‬                                   ‫شار َك َو َلو بغيابه في اغتيال‬
                                                            ‫فنَّانة تشكيلية واعدة في قصة‬            ‫صراح ًة‪ ،‬ولو بينه وبين نفسه‪،‬‬
  ‫العميق‪ ،‬وعلى هذا يصير ال ُعمق‪،‬‬                             ‫ألمانية ُمتخيَّلة‪ ،‬ويعلم الله َكم‬    ‫أنه ليس ُبع ًدا واح ًدا محدو ًدا َكما‬
  ‫أو ال َوعي أو الاختلاف أو أ ًّيا ما‬                        ‫له في الواقع ال ِفعلي أي ًضا ِمن‬    ‫قد يبدو لأنظار الآخرين‪ ،‬وأنه (في‬
                                                          ‫َضحايا‪ .‬ليس غريبًا أن ال ُّسخرية‬       ‫الحقيقة) يتألَّف ِمن طبقات‬
    ‫كان اسمه‪ ،‬مج ّرد صورة على‬                            ‫المبطنة والأنيقة في قصة زوسكند‬
    ‫السوشيال ميديا‪ ،‬مجرد ثوب‬
    ‫ُيبا ُع بالجملة بجميع المقاسات‬                           ‫المو َّجهة ضد َهوس ال ُعمق قد‬
‫جاه ًزا ل َمن يريد‪ .‬ويبدو أ َّن الكسل‬
‫وحده هو سبب الطلب المتزايد على‬
  ‫ِمثل تلك الأزياء‬
 ‫المو َّحدة والقوالب‬

         ‫الجاهزة‪.‬‬
   ‫لع َّل ما يضاعف‬

    ‫المفارقة ُهنا أ َّن‬
      ‫تلك الوسائط‬

  ‫الحديثة قد ح َّولت‬
     ‫شكل التواصل‬
    ‫الإنساني‪َ ،‬فصا َر‬

   ‫أقرب إلى كبسولة‬
‫سريعة وملهوفة غالبًا‬

    ‫ما تتج َّسد‪ُ ،‬تر َسل‬
   ‫و ُتس َتق َبل‪ ،‬في شكل‬
 ‫مرئي‪ ،‬في أحيان َنص‬

     ‫صغير وفي معظم‬
 ‫الأحيان صورة‪ .‬وهكذا‬
   215   216   217   218   219   220   221   222   223   224   225