Page 222 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 222

‫العـدد ‪24‬‬                                                   ‫‪220‬‬

                                           ‫ديسمبر ‪٢٠٢٠‬‬

  ‫شجاعة الاعتراف بهذا و ُتعرض‬                   ‫عقود‪ ،‬بل ربما يعني أ َّن تلك‬            ‫الفن‪ ،‬فال ُعمق هنا ليس خيا ًرا‬
  ‫عن طريق ال ُعمق والعميقين بكل‬                 ‫الأعمال تملك بالفعل مفاتيح‬            ‫ُمتا ًحا‪ ،‬ليس إكسسوا ًرا لإضفاء‬
 ‫بساطة‪ ،‬ويمكنك أن ترتع وتمرح‬                                                          ‫زينة و َج ٍو لطيف‪ ،‬بل هو مسألة‬
 ‫عندئ ٍذ في ملاعب التسلية الخفيفة‬              ‫بعينها لأبواب بعينها‪ ،‬مفاتيح‬           ‫حياة أو َموت‪ ،‬كما لاحظنا في‬
  ‫ُح ًّرا وسعي ًدا‪ ،‬وإ َّما أن تظل طيلة‬                                                 ‫قصة زوسكند‪ .‬لك َّن الفن‪ ،‬أكثر‬
   ‫عمرك تحارب طواحين الهواء‪،‬‬                  ‫ذهبية‪ ،‬وأبواب سحرية‪ ،‬خلفها‬                  ‫ِمن ال َبشر بالتأكيد‪ ،‬يتب َّدى في‬
                                                                                      ‫صو ٍر مس َّطحة‪ ،‬ثابتة أو متحركة‪،‬‬
   ‫وتحزق نف َسك حتَّى تكاد تطق‬              ‫ُدنيا مل َّونة وعجيبة‪ ،‬خلفها ألعا ٌب‬
      ‫عروق رقبتك‪ ،‬بينما تضيف‬                ‫ممتعة ولذيذة‪ ،‬ألعا ٌب يذوب عقل‬            ‫لوحات ذات ُبعدين‪ ،‬أو سطو ًرا‬
                                            ‫الإنسان فيها ذوبا ًنا‪ .‬تلك الألعاب‬          ‫مطبوعة‪ ،‬أصوا ًتا تسبح عب َر‬
  ‫توابل ال ِحكمة والفلسفة والرؤية‬          ‫لا ُتعد ولا تحصى‪ ،‬ويتم اكتشاف‬
  ‫(العميقة) إلى طبختك التي تفتقد‬                                                      ‫الزمن‪ ،‬إلى آخر تبدياته‪ ،‬لكن ما‬
   ‫لأبسط المقادير التي قد تجعلها‬              ‫المزيد منها باستمرار‪ ،‬لكن ِمن‬
                                                                                      ‫السر الذي يجعلها جديرة بأن‬
                     ‫مستساغة‪.‬‬               ‫بين أقدم تلك الألعاب‪ ،‬طب ًعا‪ ،‬لعبة‬
   ‫ربما ث َّمة طريق ثالث‪ ،‬لا ينتهي‬           ‫التأويل الشهيرة‪ ،‬فعندما لا يجد‬           ‫ُتستعاد وتتكرر و ُتمتدح و ُتطرح‬
  ‫بالسقوط الحر كما انتهت قصة‬                                                          ‫على موائد البحث والنقاش‬
  ‫الفنانة التشكيلية‪ .‬وهو أ َّل تبالي‬          ‫المتلقي نفسه بحاجة إلى تأويل‬
 ‫كثي ًرا ب ُعم ٍق مفت َرض في نصك‪ ،‬لا‬                                                  ‫لسنوات وعقود وربما قرون‪ ،‬إن‬
   ‫تجلبه جلبًا‪ ،‬أن ت َدعه يلعب كما‬          ‫أي شيء واستخلاص أي رسالة‬
 ‫يشاء‪ ،‬أ َّل تلاحقه‪ ،‬أن تدعه يظهر‬                                                     ‫لم يكن ذلك اللغز الخفي المعبَّر‬
    ‫ويختفي كما يشاء‪ ،‬وإذا كتب َت‬              ‫أو معنى ُمض َمر‪ ،‬سيحكم فو ًرا‬                 ‫عنه استسها ًل بال ُعمق؟‬
‫قصة ُمسلية لذيذة تحبَّها وترضى‬                 ‫ب َسطحية ما يتل َّقاه‪ ،‬لأ َّن ال َعمل‬  ‫ث َّمة إجابة أخرى‪َ ،‬سهلة وربما‬
   ‫عنها ف َمن يدري؟ لعلَّها تكتسب‬            ‫لا يحتمل (يا حرام!) إ َّل تفسي ًرا‬         ‫سطحية قلي ًل‪ ،‬هي أن ال ُعمق‬
 ‫ُعم ًقا استثنائيًّا مع الزمن أو تظل‬          ‫واح ًدا وحي ًدا‪ ،‬وهو أوضح م َّما‬
  ‫تترقرق على سطح المياه فخورة‬               ‫يجب‪ .‬يريد العقل أن يلعب‪ ،‬يريد‬             ‫غير موجو ٍد في ذلك كله‪ ،‬بل في‬
  ‫ببلاهتها وعريها الساذج المتاح‪،‬‬             ‫العقل أن يتعب‪ ،‬وك ُّل ما يتيح له‬
‫الذي يخذل ك َّل عق ٍل يتوثب للعبث‬            ‫فرص ًة للَّعب والتعب َفهو عميق‬           ‫عقل الإنسان الذي يستقبل تلك‬
   ‫ويود لو يكشف طبقة من وراء‬                  ‫وك ُّل ما يحرمه منهما َسط ٌح لا‬         ‫التجارب‪ ،‬ويضفي عليها ِمن ذاته‪،‬‬
 ‫طبقة من المعاني والأفكار‪ ،‬العقل‬              ‫يعكس إلا الفتى َنرجس خام ًل‬             ‫فكأ َّن ما يمنح اللوحة المس َّطحة‬
 ‫الذي إذا يم ّد يده تتحرك المياه وترت َّج‬                                             ‫ُبعدها الثالث الساحر هو العين‬
                                                             ‫ومفتو ًنا بذاته‪.‬‬         ‫الرائية نفسها‪ ،‬والوعي هو الذي‬
          ‫الصور مِثل زجا ٍج يته َّشم‬            ‫لل ُعمق صورة أخرى مخيفة‪،‬‬              ‫يح ّول سط ًرا في قصيدة إلى معا ٍن‬
                                              ‫في َمجال الأدب‪ ،‬فهو تلك الهوة‬           ‫وعلاقات ودلالات تكاد تكون لا‬
      ‫المقال من كتاب مقالات أدبية‬             ‫المختفية تحت الضباب الأصفر‬
  ‫بعنوان قوارب ورقية يصدر عن‬                 ‫والتي تفصل بين ُكتَّاب التسلية‬           ‫نهائية‪ .‬فكأ َّن ال ُعمق في هشاشته‬
                                            ‫الخفيفة وبين ُكتَّاب ال ِعيار الثقيل‬      ‫و ُمراوغته سراب آخر‪ُ ،‬يس َعى إليه‬
                      ‫الكتب خان‪.‬‬                ‫في َبهو ال ُخلود الذي تحرسه‬           ‫ُيف َقد و ُيكتسب‬  ‫وولُيافقُي َدنا ِمل‪،‬نوجكدذيلدك‪،‬‬
                                             ‫الجوائز الأدبية المرموقة وسادة‬              ‫مع الوقت‬

                                           ‫ال َبحث الأكاديمي‪ .‬وإذا كن َت تعيس‬         ‫وال َّدرس وإعادة النظر وتبدل‬
                                             ‫الحظ‪ ،‬وولد َت محرو ًما بالفطرة‬           ‫الأذواق والأحوال‪.‬‬
                                                 ‫ِمن ذلك ال ُعمق الذي تكشف‬
                                                ‫رائحته الأنوف المدربة للنقاد‬          ‫لا يعني هذا بالضرورة أنه‬

                                                ‫فأمامك طريقان‪ ،‬إ َّما أن تملك‬         ‫لا توجد أعمال فنية (عميقة)‬

                                                                                      ‫وجديرة بتحليلها لسنوات أو‬
   217   218   219   220   221   222   223   224   225   226   227