Page 231 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 231

‫‪229‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

‫من المرأة لأنه يكتسب فيها صفات‬             ‫وقتلهن وهن مازلن رضيعات‪.‬‬              ‫العدد وأداة للمتعة وزينة يتزين بها‬
‫إيجابية والمرأة تخسر‪ ،‬ألم يقل ابن‬      ‫ولا نغالي إذا ما قلنا إ ّن النقد الثقافي‬  ‫الرجل‪ ،‬وإذا ما حاولت الخروج على‬
‫عبد ر ّبه في العقد الفريد «آخر عمر‬
 ‫الرجل خير من أوله‪ ،‬يثوب حلمه‪،‬‬           ‫والدراسات الثقافية هي الكاشف‬              ‫ما رسمته لها السلطات الذكورية‬
  ‫وتثقل حصاته‪ ..‬وآخر عمر المرأة‬           ‫الأهم لهذه العيوب النسقية التي‬           ‫فإنها حينئ ٍذ ارتكبت جناية كبيرة‬
‫ش ّر من أوله‪ ،‬يذهب جمالها‪ ،‬و َيعقم‬      ‫أصابت بنيتنا الثقافية‪ ،‬ولع ّل النقد‬      ‫تستحق عليها العقوبة‪ ،‬لذلك تواضع‬
  ‫رحمها‪ ،‬ويسوء خلقها»؟ وحددت‬              ‫النسوي بوصفه فر ًعا من فروع‬               ‫صانع تمثال أفروديت على قطع‬
                                         ‫الدراسات الثقافية اخترق النسق‬
    ‫الثقافة العربية سما ٍت للأنوثة‬                                                                        ‫رأسها‪.‬‬
  ‫ومظاهرها ليس من بينها (العقل‬              ‫داخل متن هذه الثقافة‪ ،‬والنقد‬            ‫وفي المتن الثقافي العربي طالعتنا‬
 ‫واللسان) فهما من حصة الرجل‪،‬‬             ‫النسوي يشمل دائرة ما كتب عن‬                ‫كتب كتبها مؤلفوها تحت عنوان‬
 ‫وللمرأة الصمت والاستماع ولهذا‬           ‫المرأة سواء أكان الكاتب رج ًل أو‬         ‫مفترض هو (ثقافة الجنس)‪ ،‬وهي‬
‫جعلت ثقافتنا المرأة كائنًا اصطناعيًّا‬     ‫امرأة‪ ،‬أو على الأقل معني بما له‬          ‫في الحقيقة ثقافة الرجل في متعته‬
                                                                                  ‫مع المرأة‪ ،‬مما يوقع في الوهم‪ ،‬مثل‬
     ‫وليس طبيعيًّا‪ ،‬والأدل في رأي‬          ‫صلة بها‪ ،‬وهو أمر لا أقتنع به‬              ‫كتاب (نواظر الأيك) للسيوطي‬
   ‫الغذامي أ ّن ثقافتنا أكرمت المرأة‬     ‫وسنأتي على ذلك لاح ًقا‪ ،‬وبما أن‬            ‫مث ًل‪ ،‬وتلك الكتب لم تق ّدم للمرأة‬
‫(الأم) أو من في مقامها ثم تحويلها‬        ‫المتن النصوصي النسوي قد ولد‬               ‫سوى صورة نمطيّة رسمتها لها‪،‬‬
‫إلى (حماة) لتستمر عملية الإقصاء‪.‬‬         ‫على يد الرجال في ثقافتنا العربية‪،‬‬          ‫ص ّورتها على أنها وعاء للجنس‪،‬‬
 ‫والخلاصة أن الغذامي كان يقصد‬             ‫ولذا لا ب ّد له من أن يعرض على‬
   ‫بالوهم تلك النظرة التي أرستها‬                                                      ‫وجسدها هو ما يشغل الرجل‬
‫الثقافة الشرقية‪ ،‬إنها ثقافة الجهلاء‬          ‫أضواء كاشفة لمناطقه‪ ،‬فكان‬             ‫والكتب‪ ،‬وقد يجعلونها تهفو حتى‬
‫والحمقى والمتخلفين‪ ،‬الذين حاولوا‬           ‫استيلاد النقد النسوي من أجل‬
    ‫ومازالوا يمررون ثقافتهم عبر‬        ‫الوقوف والغور في مناطق لم تطأها‬                ‫إلى المجانين والمهابيل من أجل‬
  ‫أنساق مضمرة في محاولة منهم‬           ‫الدراسات الأدبية ساب ًقا‪ ،‬ولا سيما‬           ‫إشباع رغباتها‪ ،‬أ ّما حينما تنطق‬
  ‫لفرضها وإيهام الآخرين بأحقيتها‬           ‫في كتب الجنس التراثية‪ .‬فالنقد‬         ‫المرأة ‪-‬ولا تنطق إلاّ ش ًّرا‪ -‬ويصبح‬
                                       ‫النسوي جاء من أجل رفع مظلومية‬
                                       ‫المرأة وإبراز مكانتها وتغيير وجهة‬                ‫لسانها طلي ًقا‪ ،‬فإ ّن الأمر هنا‬
                                         ‫نظر الرجل عنها‪ ،‬بعد أن خضعت‬                ‫يستدعي قوات ردع ذكورية لأ ّن‬
                                                                                   ‫الإرهاب النسوي أط ّل برأسه‪ ،‬لذا‬
                                              ‫لسلطته تاريخيًّا واجتماعيًّا‪،‬‬         ‫كان الغربيون يغطسون المرأة في‬
                                            ‫فصارت هي تكتب عن نفسها‬               ‫ماء جا ٍر حذ ًرا من لسانها إن نطقت‪،‬‬

                                                     ‫وأفكارها وجسدها‬                  ‫حتى يتطهر لسانها من النطق‬
                                                     ‫كما تراه هي لا كما‬            ‫خشية على أنفسهم‪ ،‬لأ ّن الشيطان‬
                                                      ‫يراه هو‪ ،‬ولعل من‬
                                                                                     ‫هو الذي تعلّم من المرأة وليست‬
                                                       ‫أبرز ما يلفت عند‬          ‫هي التي تعلمت منه! والعرب كانوا‬
                                                        ‫الغذامي مفهوم‬             ‫يعتقدون بأ ّن المرأة حين تتكلم فإ ّن‬

                                                      ‫«التأنيث الثقافي»‪،‬‬            ‫الج ّن استوطن رأسها‪ ،‬ولا سيما‬
                                                     ‫حيث حددت الثقافة‬               ‫إذا تكلمت في موطن لا يجوز لها‬
                                                                                 ‫التكلم فيها‪ ،‬ولذلك فنحن نرى اتفا ًقا‬
                                                         ‫الذكورية زمن‬               ‫بين سلطات المجتمع ومؤسساته‬
                                                        ‫الأنوثة من سن‬              ‫المختلفة على إقصاء المرأة وتنميط‬
                                                       ‫البلوغ إلى ما قبل‬         ‫الصورة المرسومة لها‪ ،‬ولع ّل أقسى‬
                                                    ‫الكهولة‪ ،‬أما زمن ما‬              ‫صورها عملية (الوأد) الجاهلية‬
                                                    ‫بعد الكهولة فالرجل‬           ‫التي كانت تتم على يد الآباء أنفسهم‬
                                                       ‫في ثقافتنا أفضل‬
   226   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236