Page 235 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 235

‫‪233‬‬         ‫ثقافات وفنون‬

            ‫كتب‬

                                            ‫فى قصيدة ِبشر الدين‬                  ‫مفك ًرا وناق ًدا كبي ًرا مثل الدكتور‬
                                                                               ‫عبد الوهاب المسيرى يورد الفقرة‬
                                            ‫الحافى «أين الإنسان‬                 ‫االتالية فى معرض تناوله النقدى‬
                                                                               ‫للرواية‪« :‬ثمة نزع شرس للقداسة‬
                                            ‫الإنسان؟!»)»(‪.)10‬‬                   ‫عن الإنسان والكون‪ ،‬وثمة إنكار‬

                                            ‫والحقيقة أن محمد‬                       ‫أكثر شراسة للقيم والمرجعية‪،‬‬
                                                                                  ‫يعبران عن نفسيهما من خلال‬
                                            ‫شكرى يستحق المدح لا‬
                                                                                      ‫إنشغال مرضى بالأعضاء‬
                                            ‫الذم على سيرته الذاتية‬                    ‫التناسلية والبول‪ .‬ويتحول‬
                                                                                      ‫الإنسان إلى نشاط جنسى‬
                                            ‫الخبز الحافى‪ .‬فرغم‬                     ‫بالدرجة الأولى‪ ،‬ويتحول بطل‬
                                                                                  ‫الرواية فى نهاية الأمر إلى بغى‬
                                            ‫اللغة الصادمة التى‬                 ‫ذكر يرتزق من بيع جسده للذكور‬
                                            ‫أ ّطر بها عمله‪ ،‬ورغم‬                     ‫الآخرين‪ .‬وكى أضرب مث ًل‬
                                                                               ‫للقارئ على «تفكيكية» هذه الرواية‬
                                            ‫مساسه وإغارته على‬                  ‫«الإبداعية»‪ ،‬أخذت أبحث فيها عن‬
                                                                               ‫مقطوعة ممثِّلة‪ ،‬فوجدت العشرات‪،‬‬
                                            ‫حدود المسكوت عنه‪،‬‬                     ‫ولكنى وجدت أن من المستحيل‬
                                                                                 ‫أن أوردها فى مثل هذه الدراسة‬
                                            ‫فإنه قد هتك أسرار‬                  ‫لفرط بذاءتها‪ ،‬ولذا فسوف أكتفى‬
                                                                                  ‫بهذه المقطوعة «المهذبة» نسبيًّا‪:‬‬
                                            ‫الطبقات المسحوقة فى‬                ‫«منذ أن غادرت الكوخ وأنا أسكر‪.‬‬
                                                                                   ‫الفتيات لا يكففن عن الثرثرة‪.‬‬
                                              ‫عالمنا العربى فى ُجرأة‬                 ‫ضاجعت خلال ليلتين ثلا ًثا‬
                                            ‫نادرة‪ ،‬وكأن لسان حاله‬                 ‫منهن‪ .‬رشيدة أفضلهن‪ ،‬تتلوى‬
                                                                                    ‫مثل حية (انظر كيف تتحول‬
‫سامية محرز‬  ‫ديفيد هربرت لورانس‬              ‫يقول‪ :‬هأنذا أقف عار ًيا‬            ‫لحظة اللقاء بين المحبين إلى لحظة‬
                                                                                 ‫صراع وتفكيك فتصبح الحبيبة‬
                                            ‫أمامكم بكل آثامى وما اجترحته‬        ‫مثل الأفعى‪ .‬وتصبح لحظة الحب‬
                                                                                 ‫لحظة صراع وإغواء‪ ..‬ولكن هذا‬
            ‫قلم» للعقاد‪ ،‬أو سيرة الدكتور‬    ‫يداى من ذنوب‪ ،‬ولعل اعترافى‬          ‫ليس نهاية المطاف‪ ..‬فهناك المزيد‬
                                                                                  ‫من التفكيك!) ليلى البوالة تبول‬
    ‫زكى نجيب محمود بأجزائها‬                 ‫هذا يطهرنى منها ويساعد على أن‬          ‫فى الفراش أثناء النوم‪ .‬سأنام‬
‫الثلاثة‪« :‬قصة نفس‪ ،‬وقصة عقل‪،‬‬                   ‫يوقظ المجتمع لمحنة أمثالى ممن‬      ‫معها الليلة لأرى إن كانت ح ًّقا‬
‫وحصاد السنين»‪ .‬أين هذه السير‬                   ‫يعيشون على هامشه‪ ،‬إن الخبز‬        ‫تبول فى الفراش‪( .‬نقابل فى هذا‬
‫من كتاب مثل «الاعترافات» لجان‬                                                    ‫العالم الإنسان الذئب‪ ،‬والإنسان‬
                                            ‫الحافى بمثابة صرخة الهدف منها‬             ‫الكركى‪ ،‬والإنسان الثعلب‪،‬‬
 ‫جاك روسو؟ ذلك الهمجى الذى‬                      ‫إيقاظ ضمير المجتمع وتنبيهه‪،‬‬    ‫والإنسان الثعبان‪ ،‬وهو ما يجعلنا‬
 ‫أنار قارة أوروبا بأفكاره والذى‬                                                 ‫نتساءل مع صلاح عبد الصبور‪،‬‬
                                            ‫ولعل اللغة الصادمة جاءت لتكون‬
         ‫استهل اعترافاته قائ ًل‪:‬‬                    ‫الصرخة مدوية مجلجلة‪.‬‬
   ‫«فإذا ما انطلقت آخر صيحات‬
   ‫بوق البعث‪ ،‬عندما يقدر له أن‬                   ‫والمتأمل لأدب السيرة الذاتية‬
‫يدوى‪ ،‬فلسوف أمثل أمام الحاكم‬                  ‫فى العالم العربى يجده متحف ًظا‪،‬‬
   ‫العادل وهذا الكتاب بين يدى‪.‬‬                 ‫لا يتوغل فى سبر أغوار النفس‬
  ‫ولسوف أقول فى رباطة جأش‪:‬‬                   ‫الإنسانية فيظهرها أمامنا شفافة‬
  ‫«هذا ما فعلت‪ ،‬وما فكرت‪ ،‬وما‬
‫كنت‪ ..‬لقد رويت فى كتابى الطيب‬                    ‫ناصعة‪ ،‬بل يلقى الضوء على‬
 ‫والخبيث على السواء‪ ،‬بصراحة‪،‬‬                     ‫الجوانب التى يريد لنا كاتب‬
  ‫فلم أمح أى رديء‪ ،‬ولا انتحلت‬                ‫السيرة أن نراها فحسب‪ .‬فأشهر‬
                                             ‫من كتب السيرة لدينا من الكتاب‬
               ‫زو ًرا أى طيب‪ ..‬وإذا كنت قد‬  ‫العرب التزم التحفظ‪ ،‬ولنتأمل مث ًل‬
            ‫استخدمت بعض التزويق الفارغ‬        ‫«الأيام» لطه حسين أو «رحلتى‬

‫بين وقت وآخر‪ ،‬فما ذلك إلا لأملأ‬              ‫الفكرية فى البذور والجذور‬
                                            ‫والثمر» للدكتور عبد الوهاب‬

                                            ‫المسيرى‪ ،‬أو «واحات العمر»‬
            ‫للدكتور محمد عنانى‪ ،‬أو «حياة فرا ًغا نشأ عن نقص فى الذاكرة‪.‬‬
   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240