Page 239 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 239

‫النزعة الكاذبة للتطهر‪ ،‬والتي‬                                        ‫مختار عيسى‬
 ‫يعبر عنها النص هنا باستخدام‬

    ‫ضمير الغائب الخارجي الراصد‪،‬‬
            ‫هي وجه من أوجه حالة‬

       ‫من حالات الفصام المتعددة‬
          ‫والاستغراق المتبادل بين‬

   ‫الدناسة والقداسة التي تتجلى‬
‫من خلال تداعيات النص وتفاصيل‬
‫الشخصية التي ربما مثلت صندو ًقا‬

               ‫أسود لذلك المستنقع‬

 ‫الجنسي متأث ًرا بجذور نشأتها‪.‬‬           ‫على وعي الشخصية في حال‬           ‫يطفئني‪ ..‬أجمع الملايين وأسحق‬
  ‫«يتابع نادر قراءة التقرير الذي‬      ‫اعتدالها وحال جنوحها على حد‬       ‫الرجال تحت ساقي‪ ،‬وعلى فخذي‬

    ‫كتبه عدد من الاختصاصيين‬            ‫السواء بالصورة التي تجعلها‬          ‫المشوهة‪ ،‬والنار لا تنطفئ كأن‬
 ‫النفسيين الذين أشركهم معه في‬            ‫عنص ًرا أساسيًّا من عناصر‬         ‫الموقد ينفجر في اليوم عشرات‬
  ‫علاج ندى وقد جمعوا ما يزيد‬                                            ‫المرات‪ ،‬وأنا أصرخ وما من مجيب‬
                                      ‫الضغط النفسي المرير والمتوالي‬
    ‫على خمسة آلاف صفحة عن‬               ‫والذي يشكل في كل العلاقات‬            ‫سوى الأيدي العابثة وغرف‬
 ‫حياتها منذ دخلت قسم البوليس‬          ‫الدائرة علامة تناقض جديدة لا‬                         ‫الخيانات»(‪.)3‬‬
                                        ‫تتوقف عندها (الأيدي العابثة‬
    ‫لأول مرة متهمة بقطع عضو‬         ‫وغرف الخيانات) التي تشير إليها‬       ‫تلعب التفاصيل الجنسية كوظيفة‬
  ‫رجل‪ ،‬وإلقائه في بلاعة الشارع‬          ‫الشخصية في لحظات ضعفها‬          ‫بنائية يعتمد عليها السرد في متنه‬
                                        ‫وتذكرها‪ ،‬وانزياح الشخصية‬         ‫وفي تكوين الشخصية‪ ،‬هنا‪ ،‬دو ًرا‬
                  ‫العمومية»(‪.)4‬‬          ‫المريضة في طريق الاعتراف‬        ‫مؤث ًرا في تجسيد العامل النفسي‬
‫حيث يعبر التقرير هنا عما تفشل‬        ‫والهلوسة‪ ،‬وهي التي تتقاطع مع‬        ‫الضاغط من خلال هذا التاريخ‪/‬‬
 ‫الشخصية المريضة في البوح به‬         ‫خط سردي آخر ربما غلبت عليه‬           ‫الماضي الملوث‪ ،‬والذي لا يتوقف‬
‫أو التعبير عنه نظ ًرا لدقته وغيابه‬   ‫التقريرية والتسجيلية من خلال‬
                                       ‫علاقة غير مكتملة وملغزة مع‬          ‫عن التقاطع مع الحاضر الأشد‬
     ‫عن مركزية الوعي المتضخم‬           ‫الطبيب «نادر»‪ ،‬تلك الشخصية‬        ‫وطأة والأكثر تلو ًثا‪ ،‬بتلك المسحة‬
 ‫بالذات‪ ،‬والذي يتوزع بين الحلم‬       ‫الهلامية الهشة‪ ،‬التي بدأت معها‬     ‫التراجيدية التي تغلف كل ما يدور‬
                                         ‫البداية الخطيّة للرواية‪ ،‬التي‬   ‫بين الشخصية وذاتها من ناحية‪،‬‬
   ‫والهلوسة ومحاولات الارتفاع‬        ‫تتضاءل لحد التلاشي والذوبان‬         ‫والشخصية وتاريخها من ناحية‬
  ‫بالذات المتوهمة‪ ،‬وما يمكن من‬      ‫أمام سيطرة‪ /‬مركزية الشخصية‬
                                      ‫المريضة ندى التي يبدو هوسها‬          ‫أخرى‪ ..‬علاقة لا تنفصم برغم‬
    ‫ملء فراغات تشير إلى منبت‬                                              ‫الانفصام المرير الذي تعاني منه‬
   ‫العلة‪ ،‬وتعمل على تبئير الأزمة‬                                        ‫الشخصية ويعاني منه مجتمعها‪/‬‬
‫النفسية بكل تداعياتها وتفاصيلها‬                                         ‫مستنقعها الآسن‪ ..‬تحركها علامة‬
‫وضلوعها في كثير من الممارسات‬                                              ‫من علامات النص المؤثرة وهي‬
   ‫الشاذة التي تمثل قوام العمل‬                                            ‫الفخذ المحروقة تلك التي تضغط‬
   234   235   236   237   238   239   240   241   242   243   244