Page 241 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 241

‫‪239‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

     ‫المحروقة‪ /‬هاجس الشخصية‬           ‫لها ترى فيه الشخصية ذاتها وقد‬        ‫على وعي تلك الشخصية‪ ،‬وتحتلها‬
     ‫والنص‪ ،‬التي تتجه كل النوايا‬        ‫حوصرت بما حولها وضغطت‬                   ‫بتلك السمة الادعائية للتطهر‬
‫والهلاوس نحو التخلص من آثاره‬            ‫على وعيها النفسي الذي يقارب‬
     ‫على مستويي‪ :‬الحلم والواقع‪،‬‬                                              ‫وللزج بها في تصفية الحسابات‬
    ‫مع استمرار الذنب الملاحق في‬       ‫على الانفجار أو النهايات المحتومة‬        ‫على حد السواء‪ ..‬ما يربط هذا‬
     ‫شخصية الابن المتوفى هادي‪،‬‬           ‫التي يرتبط بها النص الروائي‬
 ‫والذي يمثل ضمي ًرا مواز ًيا يقض‬            ‫ليضع ح ًّدا لهذه الصراعات‬       ‫الواقع الحلمي بفكرة المحاكمة أو‬
 ‫المضجع‪ ،‬وفي نفس الوقت يلتمس‬                                                 ‫القصاص الذي قد تجسده هذه‬
   ‫منه الإشعار بالأمان والخلاص‬       ‫النفسية‪« :‬أدركت ندى أنها في قاعة‬
  ‫في استمرار لحالات تضاد النص‬        ‫محاكمة فأخذها الذهول‪ ،‬ثم أفيقت‬                         ‫الحالة المتخيلة‪:‬‬
    ‫والشخصية‪ ،‬وهي النهاية التي‬                                                    ‫«نفخ شيخ عملاق في بوق‬
  ‫تصبو إليها الرواية والشخصية‬           ‫بمصهور من النحاس صب على‬             ‫فتقاطرت أعداد من العرايا نسا ًء‬
‫في توحدهما وكونهما ُلحمة واحدة‬         ‫فخذها أدهشها أنه لم يترك أث ًرا‪،‬‬        ‫ورجا ًل‪ ..‬أدهش ندى أنهم لم‬
 ‫تتحرك برغم البدايات التي حاول‬       ‫رغم إحساسها بتآكل فخذيها حتى‬              ‫ينتبهوا لكشف سوءاتهم‪ ،‬ولم‬
     ‫النص فيها أن يعطي للطبيب‬         ‫انفصلا عن جسدها فسقطت على‬              ‫يبادر أي منهم بسترها‪ ،‬نظرت‬
  ‫دو ًرا فاع ًل‪ ،‬لكنه كان كالقشة في‬                                          ‫إلى نفسها‪ ،‬فاكتشفت أن فخذها‬
‫مواجهة رياح الشخصية الرئيسة‪/‬‬            ‫مؤخرتها‪ ..‬تحسست نفسها لم‬                ‫لم تكن مشوهة‪ ،‬وأن الحرق‬
 ‫المركزية التي تركت آثارها المربكة‬    ‫تجد قط ًعا ولا نز ًفا‪ ،‬رفعت عينيها‬         ‫لا أثر له‪ ..‬أربكتها المفاجأة‪،‬‬
   ‫بعد انتحارها المشكل‪ ،‬أكثر مما‬                                               ‫وصرخت منادية‪ :‬أنا هنا‪ ..‬يا‬
   ‫أثارته من فوضى ونزق وعهر‪،‬‬             ‫متوسلة‪ ،‬فأشاح هادي عنها‪..‬‬          ‫نجية يا منال يا نادر أنا‪ ..‬انقض‬
‫ومن إيغال في كونها مستنق ًعا بحد‬     ‫أشار رجل إلى يسار المنصة فأدار‬        ‫عليها رجلان وحملاها إلى مقدمة‬
    ‫ذاته‪ ،‬استفاد كثي ًرا من توظيفه‬                                             ‫بساط المسامير‪ ،‬أمرت الكلاب‬
                                       ‫شري ًطا مصو ًرا‪ ..‬انظري‪ ..‬اليوم‬
         ‫لتابوه الجنس بالأساس‬                 ‫تجزين الجزاء الأوفى»(‪.)9‬‬                       ‫فهاجمتها»(‪.)8‬‬
                                                                           ‫ما يفسر إلى حد بعيد اتجاه النص‬
                                       ‫تمثل هذه المحاكمة واق ًعا مواز ًيا‬
                                       ‫مغر ًقا في السوداوية والاعتراف‬         ‫إلى استكناه الحقائق من خلال‬
                                                                              ‫رموزها الغائبة‪ ،‬من أجل إقامة‬
                                             ‫بكل ما اقترفت الشخصية‬         ‫طقوس محاكمة للذات‪ /‬جلد مرير‬
                                           ‫من آثام تتمركز في استمرار‬
                                         ‫محاولة التطهر والخلاص من‬
                                        ‫العهر بشقيه‪ ،‬والمتمثل في الفخذ‬

                                                                                   ‫الهوامش‪:‬‬

                                     ‫* سوسنة المستنقع‪ ،‬رواية‪ ،‬مختار عيسى‪ ،‬كتاب مرايا (‪ ،)4‬يوليو ‪.2017‬‬
                                                                                       ‫‪ -1‬الرواية ص‪.25‬‬
                                                                                       ‫‪ -2‬الرواية ص‪.30‬‬
                                                                                       ‫‪ -3‬الرواية ص‪.60‬‬
                                                                                       ‫‪ -4‬الرواية ص‪.68‬‬
                                                                                       ‫‪ -5‬الرواية ص‪.89‬‬
                                                                                      ‫‪ -6‬الرواية ص‪.134‬‬

                                                                                ‫‪ -7‬الرواية ص‪.115 -114‬‬
                                                                               ‫‪ -8‬الرواية ص‪.222 -221‬‬

                                                                                     ‫‪ -9‬الرواية ص‪.223‬‬
   236   237   238   239   240   241   242   243   244   245   246