Page 237 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 237

‫‪235‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

‫محمد عطية محمود‬                     ‫مستنقع التابوه‪،‬‬
                                    ‫في رواية‬
                                    ‫«سوسنة‬
                                    ‫المستنقع»*‬

‫وخلافه‪ ،‬تح َّولت بعفونتها المرتبطة‬  ‫ومن ثم توظيفه في البناء الروائي‪.‬‬      ‫تعمل الرواية في توجهاتها‬
     ‫بالوجود الآسن للمستنقع إلى‬
      ‫ميتة‪ ،‬وإن كان على المستوى‬          ‫عتبات التأويل‬                 ‫المعاصرة على تنمية الوعي النفسي‬
    ‫النفسي المعنوي الذي قد يجتر‬                                         ‫والاجتماعي من خلال تبئير أزمة‬
      ‫الكثير من دلالات هذا العالم‬       ‫ربما كان ذلك مما يلوح حال‬
   ‫المخبوء في مستويات المستنقع‪.‬‬         ‫الولوج في نص سردي مفعم‬            ‫الفرد وارتباطها بأزمة المجتمع‬
      ‫ليأتي العنوان التالي للرواية‬      ‫بالوجود الإنساني من خلال‬              ‫وبلورة قضاياه من بعديها‬
                                     ‫نماذجه الواقعة في أسر حالة من‬
  ‫«الاحتراق البارد» بما يحمله من‬    ‫السقوط‪ ،‬سوسنة المستنقع لمختار‬       ‫الإنساني والمادي؛ فتقترب أحيا ًنا‬
     ‫تناقض يزيد من ربقة الحيرة‬       ‫عيسى‪ ،‬بداي ًة من العنوان المركب‬       ‫من الرؤية التسجيلية اللصيقة‬
                                    ‫من متناقضين أحدهما «سوسنة»‬
‫ويلغز الأمور أكثر على النحو الذي‬    ‫كزهرة جميلة لها مدلولها النفسي‬       ‫بالواقع والتي تتقاطر من خلاله‬
   ‫يمتد إلى الإهداء اللافت‪ ،‬كمكون‬   ‫والمادي واقترانها بالبهاء والعديد‬  ‫وتقدمه بمشهدية دالة على التورط‬
                                      ‫من المعاني الجميلة والتناهي في‬
‫من مكونات النص‪ ،‬إلى كل سوسنة‬           ‫الرقة‪ ،‬فهي الزهرة التي تتميز‬       ‫في فعل الوجود‪ ،‬في ذات الحين‬
  ‫دلالة التعدد والتعميم والتشظي‬           ‫بإمكانيتها على أن تتفتح في‬   ‫الذي تقترب فيه وتتوغل في أغوار‬
                                    ‫الظروف الصعبة وبالرغم من أنها‬      ‫النفس البشرية ونماذجها الشائهة‬
 ‫في الوقت ذاته‪ ،‬والامتلاء بالضغط‬     ‫تفضل النمو في جو مشمس كليًّا‬
    ‫النفسي المتمثل في هذا التوجيه‬    ‫لكنها في الوقت ذاته تستطيع أن‬          ‫المغرقة في سديمية وجودها‪،‬‬
     ‫المرير والإلحاح على ضرورة‬         ‫تتحمل الظل الخفيف‪ ..‬والآخر‬           ‫لتطرح أبعا ًدا متغايرة للأزمة‬
    ‫الخروج من المستنقع بالإفاقة‪.‬‬     ‫هو المستنقع أو الدال على الوقوع‬     ‫التي يعمقها هذا الوجود الشائه‬
                                       ‫في وهدة كل المسكوت عنه من‬          ‫في واقع ربما كان أكثر تشو ًها‬
‫لا شك هي محاولة ذكية من النص‬         ‫السلبيات والتشوهات والانزياح‬           ‫وتحري ًضا على دخول الرؤية‬
‫لاستدراج قارئه‪ ،‬ومحاولة التعتيم‬        ‫الكامل نحو ممارسات لكائنات‬          ‫في منطقة العتمة‪ ،‬وإن كان من‬
                                        ‫حية ترتبط بالتابوه‪ /‬الجنس‬        ‫خلال تعاطي النص السردي مع‬
   ‫المقصود به الفضح‪ ،‬فالتضمين‬                                          ‫الحالة واستبطاناتها والرجوع إلى‬
  ‫التالي لهذه العتبات الأولية يوجه‬                                       ‫تاريخها السري والمعلن على حد‬
   ‫تحذي ًرا كامل الوعي والإدراك‪..‬‬                                      ‫السواء‪ ،‬لإماطة اللثام عن المسكوت‬
                                                                        ‫عنه أو التابوه المتغلغل‪ /‬المتواري‬
     ‫تتحول فيه السوسنة الرقيقة‬                                            ‫في تفاصيل ذاك الواقع الشائه‪،‬‬
   ‫إلى عاهرة يجب الاحتراس منها‬
   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241   242