Page 113 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 113

‫إذا كان جورج طرابيشي وصم سعي‬
     ‫المفكرين العرب في تعاملهم مع‬

 ‫التراث «بعصاب جماعي»؛ فعلي مبروك‬
    ‫رد جهد طرابيشي ذاته إلى «عصاب‬

‫جماعي وفردي» عبر أيديولوجية الأصالة‬
‫حاول بها طرابيشي تضميد جرح الذات‬
 ‫المشرقية الجماعية من ضربة الجابري‬

        ‫الموجعة لهذه الذات المشرقية‬

   ‫الجابري أن يقوم بعمليات تعسف‬         ‫«تأسيس لأى منهما في التاريخ»‪،‬‬                ‫جورج طرابيشى‬
       ‫وجبر‪ ،‬لكي ينطوي المفكرون‬        ‫عبر «حس نبؤي‪ -‬حسن يشير في‬
                                        ‫مناسبات متعددة أن هناك حنفي‬       ‫القديم عند حنفي مجرد شماعة يعلق‬
‫وتنطوي الأفكار على التقسيمات التي‬    ‫الفيلسوف وحنفي النبي‪ -‬لا تاريخي‬      ‫عليها أفكاره «الحديثة»‪ ،‬ويصبح متن‬
 ‫فرضها عليها الجابري‪ ،‬مثل إجباره‬                                           ‫نص حسن حنفي هو لحسن حنفي‪،‬‬
‫«المعتزلة على الانضواء مع الأشاعرة‬           ‫وهذا هو مأزق مشروعه»‪.‬‬        ‫ويصبح مكان نص التراث في هامش‬

      ‫تحت لواء نظام معرفي واحد»‪،‬‬               ‫‪-2‬‬                             ‫الصفحة‪ ،‬بل وتتم عملية تجاهل‬
  ‫وإجبار ابن خلدون على التخلي عن‬       ‫تناول مبروك لخطاب‬                      ‫كون التراث ظاهرة لها وجودها‬
   ‫«انتمائه للنظام المعرفي الأشعري‪،‬‬                                         ‫الموضوعي‪ ،‬ولها قوانينها الخاصة‬
  ‫البياني»‪ .‬فالقطيعة تحولت من أداة‬           ‫الجابري‬                        ‫ولها سياقاتها المعرفية والتاريخية‬
  ‫معرفية ناجزة‪ ،‬ومن كونها مفهوم‬                                            ‫والأيديولوجية‪ ،‬لكن حنفي يتغاضى‬
                                          ‫كما أن حسن حنفي هو أستاذ‬          ‫عن كل هذا ويرد التراث إلى سياق‬
     ‫«إلى أيديولوجيا‪ ،‬وبما يعني أن‬        ‫مباشر لعلي مبروك‪ ،‬وقد تمرد‬
 ‫الأيديولوجيا عنده تتخفي في مسوح‬          ‫عليه‪ ،‬فإن محمد عابد الجابري‬               ‫شعور حسن حنفي ذاته‪.‬‬
                                         ‫هو أستاذ لعلي مبروك من خلال‬      ‫مما جعل خطاب حسن حنفي يتجاور‬
      ‫محايدة‪ ،‬ومن هنا مرواغتها»‪.‬‬       ‫مؤلفاته‪ ،‬تعلم عليه وسعى مبروك‬      ‫فيه المضمون الإنساني الحديث الذي‬
    ‫نقطة علي مبروك الأساسية التي‬     ‫على درب الجابري المنهجي في قراءة‬
  ‫يطرحها في مقدمة عمله عام ‪2012‬‬        ‫علم الكلام قراءة بنيوية‪ ،‬ومحاو ًل‬     ‫يريد أن يقوله حنفي‪ ،‬مع الإبقاء –‬
     ‫أن المشاريع الفكرية العربية قد‬  ‫تقديم قراءة تنبني على ما هو معرفي‬    ‫مث ًل‪ -‬على بنية علم الكلام القديم كما‬
    ‫سيطرت عليها الأيديولوجيا‪ ،‬مما‬       ‫للتراث‪ ،‬وليس ما هو أيديولوجي‪.‬‬     ‫هي‪ ،‬فحنفي في نظر مبروك يستخدم‬
   ‫أدى إلى محدودية هذه الرؤى على‬       ‫إلا أن علي مبروك قدم رؤية نقدية‬
‫«إنتاج معرفة حقة و ُمنتجة بالواقع»‪.‬‬     ‫لجهد أستاذه الجابري أي ًضا‪ ،‬كما‬       ‫الشكل القديم ويحاول أن يضع‬
    ‫لكن هل المشاريع التي أعلنت عن‬        ‫فعل مع كل أساتذته ‪-‬بما فيهم‬          ‫له مضمو ًنا جدي ًدا‪ ،‬وكأن الشكل‬
   ‫نفسها أنها مشاريع ذات منهجية‬       ‫نصر أبو زيد وجورج طرابيشي‪،-‬‬             ‫القديم ليس له مضمون‪ ،‬أو كأنه‬
 ‫نقد معرفية ‪-‬مع جهود الجابري في‬          ‫في بدايات التسعينيات أشار علي‬    ‫يمكن الفصل بين الشكل والمضمون‪.‬‬
‫النصف الأول من الثمانينيات وجهود‬        ‫مبروك لسيطرة الأيديولوجيا على‬         ‫وكأنه يمكن تعبئة محتوى جديد‬
     ‫طرابيشي في النصف الأول من‬       ‫الجابري من خلال «القطيعة والتمايز‬         ‫في الزجاجات القديمة‪ ،‬عبر آلية‬
 ‫التسعينيات‪ -‬هل نفدت من سيطرة‬         ‫بين المشرق والمغرب»‪ ،‬والتي دفعت‬       ‫التجاور بين الاثنين‪ .‬فحسن حنفي‬
                                                                            ‫يقفز من دلالة قديمة في التراث إلى‬
                                                                           ‫دلالة أخرى أحدث من عصرنا دون‬
   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118