Page 115 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 115

‫‪113‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

   ‫أن طرابيشي كرد فعل على خطاب‬                 ‫المنظومة المعتزلية المتقدمة‪.‬‬      ‫لابن رشد من قرب أرسطو لابن‬
  ‫الجابري حاول أن يستعيد أسبقية‬           ‫نقطة على مبروك الأخيرة هي أن‬        ‫رشد‪ ،‬الذي ُيقيم الجابري كل مبناه‬
                                         ‫الجابري يتعامل مع الأنظمة التي‬      ‫عن التواصل العقلاني لابن رشد مع‬
    ‫أصالة المشرق من خلال التاريخ‬       ‫قال بها «البيان‪ ،‬العرفان‪ ،‬البرهان»؛‬
    ‫«الحقيقي» في اتساعه الإنساني‪.‬‬      ‫على أنها أنظمة نهائية لا يوجد ثابت‬                            ‫أرسطو‪.‬‬
‫ليصبح المجال المشترك بين الجابري‬         ‫قار مشترك تحتها‪ .‬ويرى مبروك‬             ‫بل يأخذ مبروك مقولة الجابري‬
    ‫وطرابيشي في نظر علي مبروك‪:‬‬            ‫أن هذا الثابت المشترك يتجلى «في‬      ‫الأساسية عن الفارابي وابن سينا‪،‬‬
     ‫«في العودة إلى الأصول» والتي‬       ‫السعي إلى تكريس سلطة نص‪ ،‬ما‪،‬‬             ‫وقول الجابري إن خطابيهما هو‬
   ‫أدركها الجابري في أصالة مغربية‬       ‫كأصل أول وتثبيت هيمنته كمرجع‬            ‫الذي ساد‪ ،‬وأتت المدرسة المغربية‬
‫تتمثل في «التقدم والانتقال»‪ ،‬تجاو ًزا‬                                          ‫لتقطع معه معرفيًّا‪ ،‬فيشير مبروك‬
 ‫للفلسفة المشرقية؛ اللاعقلانية واللا‬        ‫نهائي‪ ،‬أو سلطة خارج حدود‬          ‫إلى أن منظومتي الفارابي وابن سينا‬
 ‫علمية‪ ،‬وتواص ًل مع فلسفة أرسطو؛‬         ‫السؤال»‪ ،‬وتصبح كل مقاربة لهذا‬         ‫يصعب تفسيرهما بعي ًدا عن «إطار‬
    ‫العقلانية العلمية‪ .‬فإن طرابيشي‬        ‫النص السلطة بغير هذه الطريقة‬           ‫المنظومة المعرفية الشيعية»‪ ،‬وأن‬
  ‫يعود لأصول المشرق ضمن تاريخ‬            ‫هي نوع من الانحراف لا بد رده‪.‬‬          ‫عمليهما «بمثابة التعبير الفلسفي»‬
  ‫الفكر الإنساني التي أثرت وشكلت‬         ‫ليصل مبروك إلى نتيجته أن أزمة‬         ‫عن هذه المنظومة الشيعية‪ ،‬ويسأل‬
  ‫العقل الإغريقي ذاته‪ ،‬ليصبح الأمر‬                                            ‫مبروك الجابري‪ :‬هل كانت السيادة‬
   ‫هو أن «إرادة الأصالة عندهما هي‬           ‫قراءة الجابري أنه قرأ «التراث‬
   ‫ما يوجه بنائيهما للتاريخ»‪ .‬إرادة‬     ‫الفلسفي الإسلامي تحت الضغوط‬                 ‫للمنظومة الشيعية؟ أم كانت‬
‫الأصالة تمثلت عند الجابري في آليات‬        ‫الخفية لخطاب استشراقي ماكر‪،‬‬             ‫موضو ًعا للاضطهاد والإقصاء‬
 ‫القطيعة والفصل أيديولوجيًّا وليس‬                                                ‫والمطاردة؟ مما يعني أن ما ساد‬
 ‫معرفيًّا‪ .‬وعمليات إرادة الأصالة عند‬         ‫وهي الضغوط التي تتبدى في‬          ‫لم يكن منظومات الفارابي ولا ابن‬
    ‫جورج طرابيشي بآليات التلاقي‬         ‫الإلحاح على ربط هذا التراث بمركز‬       ‫سينا‪ .‬ليصبح الدافع وراء خطوات‬
                                       ‫تفسيري يقع بالكلية خارج المنظومة‬         ‫الجابري هو إرادته لإيجاد تاريخ‬
                       ‫والوصل‪.‬‬                                                    ‫للفلسفة الإسلامية به شيء من‬
   ‫وإذا كان جورج طرابيشي وصم‬               ‫الثقافية العربية الإسلامية‪ ،‬هو‬    ‫التقدم‪ ،‬و”تتجاوز فيه النظرة المغربية‬
   ‫سعي المفكرين العرب في تعاملهم‬         ‫المركز الإغريقي القديم»‪ .‬فإذا كان‬
                                         ‫هناك انقسام بين اتجاه «أرسطي‬                       ‫نظيرتها المشرقية”‪.‬‬
      ‫مع التراث «بعصاب جماعي»؛‬         ‫(هيليني) عقلي وبين اتجاه أفلوطيني‬      ‫ثم يتناول علي مبروك إشارة أخرى‬
     ‫فعلي مبروك رد جهد طرابيشي‬
   ‫ذاته إلى «عصاب جماعي وفردي»‬                ‫(هيلينستي) غنوصي»؛ مما‬             ‫ذكرها في رسالته للدكتوراه عن‬
     ‫عبر أيديولوجية الأصالة حاول‬        ‫استدعى انقسام مماثل في المنظومة‬         ‫تعامل الجابري مع مفهوم الطبع‪،‬‬
   ‫بها طرابيشي تضميد جرح الذات‬                                                  ‫وإهماله أن المفهوم الذي ينقله عن‬
                                           ‫«الإسلامية»‪ .‬ثم يقترح مبروك‬          ‫المعتزلة‪ ،‬وعلي مبروك يقول إنه لا‬
      ‫المشرقية الجماعية من ضربة‬        ‫مسا ًرا آخر لتخليص رؤية الجابري‬         ‫يمكن فهم المنظومة المعتزلية بدون‬
       ‫الجابري الموجعة لهذه الذات‬
  ‫المشرقية‪ ،‬عبر عملية قتل «رمزي‪-‬‬            ‫من مأزقها في دراسة الفلسفة‬            ‫مفهوم الطبع من حيث تجاوبه‬
     ‫معرفي» قام بها طرابيشي‪ .‬مما‬           ‫الإسلامية‪ ،‬كمسار يصل بنا إلى‬        ‫مع مفهوم العدل المعتزلي‪ ،‬وفاعلية‬
     ‫يجسد في نظر مبروك أنه جرح‬           ‫الانتقال من التمحور حول «سؤال‬
‫نفسي وليس فيما يتمثل على السطح‬         ‫الأصالة والهوية»‪ ،‬إلى التمحور حول‬         ‫العقل عندهم‪ ،‬فمفهوم الطبع من‬
   ‫من جهد معرفي‪ُ ،‬يقدمه طرابيشي‪.‬‬                                                  ‫«التأسيسية الكبرى التي يؤول‬
‫محاولة تضميد الجرح عند طرابيشي‬                  ‫«سؤال الدور والوظيفة»‪.‬‬         ‫غيابها إلى تقويض النظام المعتزلي‪.‬‬
‫أخذت شكل التعالي بالمساهمة الكبيرة‬                                              ‫فالجابري يستخدم مفهوم الطبع‬
 ‫«المشرقية والفينيقية على الخصوص‬                 ‫‪-3‬‬                           ‫بعد أن تسرب إليه الرؤية الأشعرية‬
                                          ‫نقد مبروك لجورج‬                      ‫عند المعتزلة المتأخرين‪ ،‬التغير الذي‬
                                                                             ‫أفقده دوره الفاعل الذي كان عليه في‬
                                              ‫طرابيشي‬

                                         ‫بعد نقد علي مبروك لخطاب محمد‬
                                          ‫عابد الجابري‪ ،‬بدأ يتناول خطاب‬
                                        ‫جورج طرابيشي‪ ،‬ففي نظر مبروك‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120