Page 116 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 116
العـدد 23 114
نوفمبر ٢٠٢٠
اختلافهما على السطح .حيث يرى لكي يأخذ هذا
مبروك أنه رغم اختلاف موقف
الربط والجابري
الجابري وطرابيشي في الموقف من
إنكار السببية في المذهب الأشعري؛ ذاته تكئة لتفكيك
حيث يعتبرها الجابري ضد العلم
هذه المركزية
ويعتبرها طرابيشي تتماشى مع
مفاهيم اللاحتمية التي توصل إليها الأوروبية
العلم في القرن العشرين ،فإن علي
وسعيها لتغريب
مبروك يرى أن المشترك بينهما،
أن كل منهما حاول تفسير السببية تراث اليونان
في المذهب الأشعري عبر مرجعية
ومصادرته
من خارج سياق الثقافة العربية
الإسلامية ،فالجابري أخذ مرجعيته لحساب المركزية
مفاهيم نيوتن الكلاسيكية عن العلم.
ليثبت لا عقلانية الأشعرية ،إبخا ًسا الأوروبية ،نافية
للمشرق. لأصوله الشرقية
فإن طرابيشي كانت مرجعيته
مفاهيم ما بعد تصورات نيوتن حول وخصو ًصا
العلم ،فجعل الأشعرية تتجاوب مع الفينيقية .لكن
مفاهيم العقلانية العلمية المعاصرة،
تعاليًا وفخ ًرا بالمشرق .في حين أن ما لا يدركه على مبروك محمد عابد الجابرى
منظومة الأشعرية هي كلها منظومة طرابيشي في
سابقة عن منظومات العلم الحديثة
أو المعاصرة .حيث إن تصورات في عملية التفكير في العقل اليوناني» .نظر علي مبروك أنه بسعيه هذا هو
الأشاعرة تدور في إطار تصورات لكن طرابيشي في نظر مبروك يخفي يعيد إنتاج هذه المركزية (شرق-
الفيزياء القديمة ،التي كانت تقوم على ذلك وراء «أغلفة معرفية سميكة» غرب) ،حتى وهو يحاول إعادة
تصورات ُمسبقة؛ غيبية وعقائدية حتى لا يتم اتهامه بأنه يفعل مثل ما إنتاجها لصالح «هوية مشرقية» في
وميتافيزيقية .وليست قائمة على فعل الجابري من «التوظيف المركزي قبالة «هوية مغربية».
الملاحظة والإثبات العلمي والتجربة. ليصل علي مبروك أنه وبغض النظر
فكل من محمد عابد الجابري وجورج الإثني لنظرية العقل».
طرابيشي يقرأ ظاهرة السببية في لينخرط علي مبروك في الدفاع عن عن «الادعاءات المعرفية المكابرة
الخطاب الأشعري ،سواء على أنها خطاب الجابري في مواجهة بعض لطرابيشي التي راح فيها يبالغ ليس
نقيضة للعلم أو على أنها متماشية
معه ،فإنهما يقرآنها خارج سياقها، دعاوى طرابيشي من وجهة نظره .فقط في إظهار تعالمه على الجابري
التاريخي والثقافي ،والمعرفي ،وهذا
جامع لخطابيهما .قراءة الظواهر حيث يرى أن طرابيشي قد حاول بل وفي الإلحاح على فضح ما يعتبره
والأنساق التراثية خارج سياقاتها
التاريخية والثقافية والمعرفية –جب ًرا -أن يصور أن نص الجابري ادعاءه -أي الجابري -وعدم أمانته
العلمية ،بل وحتى جهله» ،فإن يقوم «بعملية مقارنة ضدية بين
مشروع طرابيشي بعد تفكيكه« :لم العقل العربي والعقلين اليوناني
والأوروبي الحديث» .في حين عند يفعل إلا أن أعاد إنتاج نفس نظام
عودة مبروك لنص الجابري الذي الجابري المعرفي كام ًل» ،ولكن على
اعتمد عليه طرابيشي يكتشف «أن نحو معكوس.
ثم يأخذ علي مبروك خطابي الجابري طرابيشي -لا سواه -هو الذي
وطرابيشي إلى منطقته هو التي اختلق مفهوم «الضدية» وارتفع
به إلى مقام المبدأ الابستمولوجي» ،تخصص فيها وأبدع وهي :نقد
في حين أن الجابري يشير فقط إلى الخطاب الأشعري ورصد بنيته.
مجرد «الاختلاف» وليس «الضدية» ،حيث تناول قضية السببية في
الخطاب الأشعري في تناول كل وأنه بدون هذه الضدية التي
«اختلقها» طرابيشي ما كان استطاع منهما لها ،ليكشف مبروك الأرضية
ربط الجابري بالمركزية الأوروبية ،المشتركة تحت خطابيهما رغم