Page 111 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 111

‫لا ينتهي سرد المؤلف في أكثر من‬                                 ‫صلاح الدين الأيوبى‬
    ‫ستة فصول عن احتراق المكتبات في‬
‫العالم القديم إلا بإدانة الفاتحين العرب‬
‫بتدمير مكتبة الإسكندرية‪ ،‬وتخريب كل‬
  ‫مظاهر التحضر والتقدم في البلاد التي‬
‫فتحها العرب‪ ،‬وعلى رأس هذه المظاهر‬
   ‫المكتبات‪ ،‬سواء في بلاد فارس أو في‬

           ‫بلاد الشام أو في بلاد الأندلس‬

     ‫ولم يسقط دورها حتى بعد‬          ‫في المأمون‪ ،‬وكأن لوسيان يريد‬       ‫فيقول “إن أرسطو علم ملوك‬
                 ‫سقوط بغداد‪.‬‬       ‫القول إن حضارة العباسيين التي‬        ‫مصر كيف ينظمون مكتبة في‬
                                                                       ‫بلادهم”‪ ،‬ومعروف أن أرسطو‬
   ‫على أي الأحوال‪ ،‬فالكتاب كما‬         ‫شارك فيها العرب ليست من‬       ‫لم يزر مصر القديمة وأن أستاذه‬
   ‫قلت في صدر هذه الصفحات‬           ‫صنعهم‪ ،‬بل من صنع من أشار‬          ‫أفلاطون زارها ومكث في جامعة‬
                                      ‫إليهم من غير العرب ومن غير‬
        ‫كتاب يغري بالقراءة مع‬         ‫المسلمين‪ .‬ونسب الحضارة في‬           ‫أون أكثر من عشر سنوات‪،‬‬
    ‫الاستعانة بالحذر الشديد لما‬      ‫الأندلس إلى الأمويين واختزلها‬     ‫وعاد بعدها ليؤسس أكاديميته‬
   ‫يطلقه الكاتب من أحكام‪ ،‬وما‬       ‫في قرطبة‪ ،‬ثم أضاف للفاطميين‬      ‫المشهورة التي تعلم فيها أرسطو‪،‬‬
     ‫يتعرض له من تحليل‪ ،‬وما‬        ‫حضارة صنعوها في مصر لأنهم‬           ‫فكيف أتيح لأرسطو اللاحق أن‬

      ‫يستعين به من مصادر أو‬             ‫شيعة‪ ،‬وهو يقف على امتداد‬                 ‫يعلم السابقين عليه؟‬
‫مراجع‪ ،‬وما يريده الكاتب للعرب‬          ‫صفحات كتابه موقف العداء‬              ‫ويقول لوسيان معل ًقا على‬
                                      ‫من السنة ومن القرآن والنبي‪،‬‬       ‫انطفاء دور المراكز الحضارية‬
  ‫والمسلمين‪ .‬ويكفي أنه لم ينس‬        ‫ويصف السنة دائ ًما بالتعصب‬          ‫الإسلامية‪“ :‬انقسم العالم إلى‬
  ‫أن يقول في الصفحات الأخيرة‬          ‫والشيعة بالتحرر والاستنارة‪.‬‬        ‫ثلاثة نطاقات ثقافية متباعدة‬
                                      ‫أما قوله إن هذه المراكز انطفأ‬    ‫جغرافيًّا‪ ،‬وهي حضارة المأمون‬
     ‫من كتابه معل ًقا على موقف‬          ‫نورها بنهاية القرن العاشر‬        ‫في بغداد‪ .‬وحضارة الأمويين‬
   ‫طالبان من تماثيل بوذا إن ما‬         ‫فمغالطة صريحة‪ .‬فقد امتدت‬        ‫في قرطبة‪ .‬وحضارة الفاطميين‬
  ‫فعله الملا عمر هو ما فعله عمر‬        ‫حضارة الإسلام في الأندلس‬            ‫في مصر‪ .‬وقد أسست هذا‬
   ‫بن الخطاب “إذ لا تزال تفوح‬        ‫إلى القرن الثاني عشر الميلادي‬         ‫النطاقات مراكز للاكتشاف‬
 ‫في بلاد فارس أسطورة ما فعله‬        ‫مع وجود الصراع بين المسلمين‬            ‫العلمي والازدهار العقلاني‬
                                    ‫والمسيحيين‪ ،‬والأمر نفسه يصح‬            ‫ولكنها انطفأت كلها وماتت‬
     ‫عمر بن الخطاب عندما أمر‬       ‫بالنسبة لحضارة العباسيين التي‬     ‫واحدة تلو الأخري بعد أن اجتزنا‬
  ‫بتدفئة الحمامات بالمخطوطات‪.‬‬        ‫لم يكن لها مركز إشعاع واحد‪،‬‬        ‫عتبة القرن العاشر الميلادي”‪.‬‬
‫والسؤال‪ :‬لماذا فكر الملا الصغير‬
 ‫الذي يحمل نفس الاسم (عمر)‬                                                                ‫(ص‪)127‬‬
‫في قندهار في القيام بهذه المقاربة‬                                      ‫وتبدو المغالطة في قول لوسيان‬
                                                                       ‫من اختزال الحضارة العباسية‬
          ‫التاريخية؟(ص‪)363‬‬
   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116