Page 153 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 153

‫الملف الثقـافي ‪1 5 1‬‬

         ‫‪-2‬‬                    ‫كان الحسن قريبًا من أبيه عليّ‬        ‫ونبوءات المستقبل‪ .‬غير أننا‬
                               ‫عبر سنوات خلافته القصيرة‬            ‫نستطيع –بقليل من التجاوز–‬
 ‫اسكت‪ ،‬فأنا أعلم منك‬            ‫التي لم تهدأ خلالها الحروب‬        ‫أن نرى في توقع “علي” نبوءة‬

 ‫يورد “الطبري” في تاريخه(‪)4‬‬         ‫الطاحنة ولم ينقض يوم‬              ‫سياسية قائمة على خبرة‬
‫نماذج من الروايات المتضاربة‬       ‫فيها دون قتال أو تحضير‬          ‫طويلة ودراية عميقة بموازين‬
                                ‫لقتال‪ .‬لكن الأهم من ذلك في‬
     ‫التي نسبت للحسن نوايا‬       ‫تقدير باحثين كثيرين شر ًقا‬            ‫القوى وتقلبات الصراع‪،‬‬
        ‫سياسية مختلفة وراء‬        ‫وغر ًبا‪ ،‬منهم طه حسين(‪)2‬‬          ‫وهو ما حتم في النهاية فوز‬
                                  ‫وبرنابي روجرسون(‪ ،)3‬أن‬          ‫معاوية بكرسي الخلافة‪ ،‬وأن‬
   ‫ذهابه للصلح والتنازل عن‬      ‫الحسن كان حاض ًرا لحظات‬
 ‫الخلافة‪ ،‬وتدور حول موقفين‬        ‫مقتل الخليفة الثالث عثمان‬           ‫نرى في إحالة الحسن إلى‬
                                 ‫بن عفان (ت ‪35‬هـ) وتأثر‬             ‫قدر الله في ذلك إلحا ًقا بكفة‬
     ‫متناقضين هما‪ :‬الخيانات‬      ‫بها بعمق‪ ،‬فهو كان يحرس‬
     ‫التي تعرض لها ابن بنت‬      ‫بوابته بنا ًء على أمر أبيه‪ ،‬لكنه‬      ‫ميزان القوة الراجح لجهة‬
   ‫النبي –وتصل لمحاولة قتله‬    ‫عجز عن الدفاع عنه بعد قتال‬          ‫الأمويين‪ ،‬وهو قدره الله لهم‬
‫وطعنه في فخذه!– وهي ما أدت‬      ‫شديد وتغلب محاصري بيته‬
 ‫لذهابه إلى الصلح‪ ،‬ثم الموقف‬      ‫في المدينة وكثرتهم‪ .‬ورغم‬           ‫بحسب أن كل شيء بقدرة‬
     ‫الرافض من أقرب رجاله‬         ‫الخلاف والتضارب العميق‬           ‫الله‪ .‬فمنذ صدر الإسلام –بل‬
  ‫وأخلص حلفائه وكذلك أخيه‬         ‫‪-‬المعتاد‪ -‬بين أقوال الرواة‬      ‫ومن قبله– ترجح القوة الدينية‬
    ‫وأبناء عمومته‪ .‬لكن أخبار‬     ‫والمصادر السنية والشيعية‪،‬‬
  ‫الطبري المتضاربة تتفق على‬     ‫والسنية والسنية‪ ،‬بخصوص‬               ‫حظوظ الهاشميين في تولي‬
  ‫أن الصلح –دون القتال– كان‬        ‫تنازل الحسن عن كرسي‬            ‫منصب الخلافة وترجح القوة‬
  ‫النية المبيتة لدى الحسن منذ‬
‫لحظة بيعته في البداية‪ .‬وحسب‬         ‫الخلافة فإن الظاهر من‬            ‫السياسية حظوظ الأمويين‬
 ‫الخبر فإن أول من بايعه كان‬       ‫الصلح وتنازله عن كرسي‬                                 ‫فيه‪.‬‬
  ‫قيس بن سعد بن عبادة (ت‬        ‫الخلافة‪ ،‬ومن مجمل سيرته‪،‬‬
‫‪60‬هـ)‪ ،‬وهو صحابي معروف‬                                               ‫والسؤال الذي ربما يترتب‬
  ‫ومن الولاة وقواد الحرب في‬         ‫أن الخليفة الخامس كان‬              ‫على ذلك إن كان الحسن‬
‫أزمنة النبي والخلفاء‪ ،‬وحسب‬      ‫الأقرب في لين طبعه وسمات‬                ‫بن عليّ أراد من موقفه‬
  ‫الرواية‪“ :‬قال له‪ :‬أبسط يدك‬
‫أبايعك على كتاب الله عز وجل‬       ‫تسامحه النفسي والذهني‬              ‫“المفرط” ظاه ًرا في منصب‬
    ‫وسنة نبيه وقتال المحلين‪،‬‬    ‫من الخليفة الثالث عثمان بن‬         ‫الخلافة ما يسمى في الفيزياء‬
    ‫فقال له الحسن رضي الله‬      ‫عفان‪ ،‬الذي “لم يفارقه حزنه‬         ‫بـ”قانون حفظ الطاقة”‪ ،‬فقد‬
‫عنه‪ :‬على كتاب الله وسنة نبيه‪،‬‬  ‫عليه” بتعبير طه حسين‪ ،‬وإن‬
   ‫فإن ذلك يأتي من وراء كل‬                                             ‫أدى الإسراف في تحويل‬
 ‫شرط‪ ،‬فبايعه وسكت‪ ،‬وبايعه‬          ‫اختلف بموقفه عن عثمان‬            ‫طاقة بني هاشم الدينية إلى‬
 ‫الناس”‪ .‬وحسب رواية أخرى‬       ‫‪-‬وعن مجمل المتنازعين حول‬             ‫حركة سياسية إلى إضعاف‬
   ‫عن ابن شهاب الزهري (ت‬        ‫سلطة الخلافة في زمنه– بقلة‬         ‫موقفهم‪ ،‬وتسبب في رجحان‬
    ‫‪124‬هـ) أن‪“ :‬الحسن كان‬                                          ‫كفة الأمويين وكثرة حلفائهم‬
    ‫لا يرى القتال‪ ،‬ولكنه يريد‬     ‫حرصه على موقع السلطة‪،‬‬
   ‫أن يأخذ لنفسه ما استطاع‬        ‫وعدم استعداده لبذل الدم‬                ‫وجنودهم وصنائعهم‬
                                ‫في الحرص عليه‪ ،‬وإن لم تقل‬            ‫وخضوع الأمصار لهم‪ ،‬في‬
                                ‫المصادر والمدونات التاريخية‬         ‫حين انتهى موقف العلويين‬

                                                 ‫ذلك أب ًدا!‬           ‫والهاشميين بعد خوض‬
                                                                      ‫معارك طويلة ومنهكة إلى‬
                                                                       ‫الضعف السياسي وقلة‬
                                                                       ‫الشيعة والأنصار الذين‬
                                                                   ‫استنفذتهم وأفنت أرصدتهم‬

                                                                             ‫المعارك الطاحنة؟‬
   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158