Page 157 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 157

‫‪155‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫و»التمزقات» الأسرية والقبلية‬     ‫المصادر التاريخية المدونة‪ ،‬مما‬       ‫تنازعها وتضاربها أخبا ًرا‬
  ‫المأساوية في نسيج صحابة‬           ‫يص ّعب على الباحث انحيا ًزا‬   ‫تنفيها وتؤكدها‪ ،‬وكأن الخلاف‬
                                    ‫نهائيًّا لأحد هذه المواقف أو‬
‫النبي وآل بيته وأزواجه‪ ،‬وكل‬          ‫الاعتماد كليًّا على خبر من‬     ‫السياسي الذي نشب في تلك‬
  ‫ذلك صاحب خلافة أبيه علي‬          ‫هذه الأخبار مهما كانت قوة‬        ‫الحقبة البعيدة وتتحدث عنه‬
  ‫بن أبي طالب القصيرة التي‬         ‫تنسيبه أو إسناده‪ ،‬في ضوء‬
              ‫انتهت بمقتله‪.‬‬            ‫المعروف من أن تنسيب‬             ‫المصادر المختلفة لا يزال‬
    ‫السادس‪ ،‬أن ما يسترعي‬              ‫وإسناد الأخبار لم يسلم‬      ‫مستم ًّرا إلى اليوم‪ ،‬وهي حقيقة‬
    ‫الانتباه بعمق هو استبعاد‬               ‫بدوره من التلاعب‪.‬‬
  ‫وغياب هذه القراءة النفسية‬        ‫الرابع‪ ،‬أن السمة العامة التي‬              ‫ملموسة مشاهدة‪.‬‬
     ‫التاريخية على وضوحها‬          ‫تتقاسمها المواقف السياسية‬            ‫الثاني‪ ،‬أن حدث التنازل‬
 ‫وتسلسلها المنطقي ودخولها‬          ‫وتتوزع على الأخبار المختلفة‬       ‫الطوعي عن سلطة وكرسي‬
  ‫بانسجام في نسيج الأحداث‬           ‫بخصوص الصلح الحسني‬               ‫الخلافة –كما حدث في حالة‬
  ‫التي وصلت بالحسن أخي ًرا‬           ‫هي سمة الحرص الظاهر‬           ‫الحسن بن عليّ وحالات قليلة‬
                                    ‫على كرسي الخلافة وإكبار‬        ‫معه‪ -‬يعد في تاريخنا العربي‬
‫إلى الصلح والتنازل عن خلافة‬       ‫وتعظيم سلطته بحيث يشكل‬          ‫والإسلامي أم ًرا فري ًدا مده ًشا‬
‫أريقت من أجل سلطاتها دماء‬          ‫تنازل الحسن عنه في مجمل‬              ‫غير متكرر خلال حوالي‬
 ‫الآلاف‪ ،‬ثم الملايين من بعده‪.‬‬      ‫تلك الأخبار –على تضاربها‪-‬‬        ‫خمسة عشر قر ًنا‪ ،‬ويبدو أن‬
‫الخامس‪ ،‬أن الأخبار التي تتلو‬        ‫صدمة تجتهد في البحث لها‬        ‫«شذوذ» الحدث يسبب مزي ًدا‬
                                    ‫عن مبرر أكثر التصا ًقا بهذا‬    ‫من الاستقطاب‪ ،‬بالإضافة إلى‬
  ‫خبر الصلح وتنازل الحسن‬              ‫التعظيم من كراهية إراقة‬      ‫الاستقطابات الحادة والدموية‬
     ‫عن الخلافة في المدونات‬         ‫الدماء والزهد في السلطان‪.‬‬      ‫في معظم الأحيان التي رافقت‬
                                     ‫الخامس‪ ،‬أن قراءة نفسية‬              ‫نزاعات كرسي الإمارة‬
   ‫التاريخية تدور كلها حول‬                                        ‫والإمامة والولاية والخلافة في‬
    ‫تجدد قتال المتنازعين على‬     ‫تاريخية لسيرة الحسن بن عليّ‬
   ‫كرسي الخلافة واستئنافه‬           ‫كاملة ‪-‬لا تتسع لها سطور‬                          ‫التاريخ‪.‬‬
‫مباشرة بذكر خروج الخوارج‬           ‫هذا المقال– ربما توفر سيا ًقا‬  ‫الثالث‪ ،‬أن المواقف المتنازعة من‬
‫على معاوية‪ ،‬وتصاعدت وتيرة‬           ‫أكثر منطقية من كل سرود‬
‫القتال بعد رحيل معاوية سنة‬                                         ‫الصلح الذي أجراه «الحسن»‬
 ‫‪60‬هـ وجلوس ابنه يزيد على‬        ‫المدونات والحوليات التاريخية‬          ‫تنعكس كما لو كانت على‬
  ‫كرسي الخلافة‪ ،‬مما يفصح‬              ‫التي تروي قصة صلحه‬
   ‫عن أن واقعة صلح الحسن‬              ‫وتنازله‪ ،‬بد ًءا من خصاله‬     ‫صفحة ماء أو مرآة في أخبار‬

      ‫وتنازله لم تترك تأثي ًرا‪،‬‬    ‫النفسية التي تطنب المصادر‬
  ‫ولم يكن لها اعتبار كبير في‬           ‫في وصفها وتدور حول‬
   ‫مجريات النزاع‪ ،‬ولا ه ّدأت‬
    ‫من وتيرته بشيء‪ .‬ويؤكد‬           ‫نشأته في حجر النبي‪ ،‬وهو‬
                                  ‫‪-‬في مقام النبوة‪ -‬يمثل سلطة‬
    ‫من طرف آخر أنها واقعة‬         ‫فوق كل السلطات السياسية‪،‬‬
   ‫كان يجب أن تندغم ‪-‬جي ًدا‬       ‫مرو ًرا بالأحداث الجسام التي‬
  ‫وبإحكام– في نسيج الصراع‬
 ‫حتى لا تبدو مفارقة أو ناتئة‬        ‫صاحبت مقتل زوج خالتيه‬
                                  ‫عثمان بن عفان وكان من أهم‬
     ‫أو مغايرة له‪ ،‬وقد قامت‬       ‫شهوده‪ ،‬وصو ًل إلى الحروب‬
   ‫الأخبار على تضاربها بهذه‬

            ‫المهمة خير قيام‬
   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161   162