Page 156 - m
P. 156

‫اختيارات أخرى‪ ،‬بل الأمر ذاته‬                              ‫العـدد ‪55‬‬                          ‫‪154‬‬
       ‫من تحديد قراءات سبع هي‬
                                                                             ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬    ‫الشريعة وبين الفقه‪ ،‬فالشريعة‬
 ‫المتواترة‪ ،‬ثم عشر متواترة‪ ،‬وجعل‬                                                               ‫ربانية والفقه ُمن َتج بشري‬
         ‫ما يخالفها قراءات شاذة‪.‬‬      ‫أخرى منتشرة في مناطق تجمع‬
                                        ‫مسلمين تختلف عن هذه‪ ،‬كما‬                            ‫وتاريخي وابن لعصره‪ .‬وأول‬
    ‫بل هناك من يقول إن الشريعة‬           ‫في بلاد شمال أفريقيا رواية‬                           ‫ما يدخلون في الكلام لا تجد‬
   ‫ليست هي كل كلام المصحف أو‬                                                              ‫غير فقه ومذاهب فقهية هي التي‬
    ‫الصحيح المنسوب للنبي محمد‬         ‫ورش عن نافع‪ ،‬أو رواية قالون‬                           ‫تتحدث‪ ،‬والسؤال الذي أطرحه‬
                                      ‫عن نافع في مناطق في السودان‪.‬‬                       ‫وأرجو أن تتمهل وتتمهلي معي في‬
      ‫في أمور الدين‪ ،‬بل هي ما به‬       ‫بل إن رواية حفص عن عاصم‬                            ‫التفكير فيه ولا تنتفضوا تحم ًسا‬
   ‫توجيهات سلوكية للفعل أو عدم‬         ‫التي أصبح لها السيادة بفضل‬                           ‫للرفض‪ ،‬وهو سؤال‪ :‬هل هناك‬
    ‫الفعل من هذه المصادر؟ بمعنى‬                                                          ‫مبادئ للشريعة الإسلامية ربانية‬
  ‫ما يسمونه المتعلق بالأحكام ويتم‬       ‫مصحف القاهرة الذي أنجزته‬                         ‫منفصلة عن البشر؟ بل هل هناك‬
                                     ‫لجنة من وزارة المعارف المصرية‬                         ‫شيء اسمه الشريعة الإسلامية‬
      ‫صياغتها «خطاب الله المتعلق‬    ‫برئاسة كبير مفتشي اللغة العربية‬                         ‫أص ًل منفص ًل عن البشر وعن‬
 ‫بأفعال المكلفين من حيث الاقتضاء‬    ‫في الوزارة حفني ناصف والشيخ‬                          ‫الزمان والمكان؟ فهل الشريعة هي‬
 ‫والتخيير»‪ ،‬في النهاية هذا التعريف‬                                                         ‫كلام المصحف ذاته كما هو قبل‬
                                       ‫الحسيني الحداد شيخ مشايخ‬                           ‫أي فهم وتفسير واستنباط منه؟‬
   ‫ذاته وتحديداته هو عمل بشري‬         ‫المقارئ المصرية‪ ،‬وهو المصحف‬                         ‫لن أدخل في كون كلام المصحف‬
   ‫وهو فكر إنسان‪ .‬وحين تستمر‬           ‫الذي ُيطبع في مجمع الملك فهد‬                        ‫ذاته قد وصلنا عن طريق بشر‪،‬‬
     ‫مع الأمر في تحديد ما هو هذا‬       ‫ويسمى بمصحف المدينة‪ ،‬وهو‬                               ‫بل إن ما بالمصحف ذاته هو‬
   ‫الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين‪،‬‬  ‫أص ًل بقراءة كوفية وليس بقراءة‬                       ‫اختيار واحد من ضمن اختيارات‪،‬‬
                                      ‫أهل المدينة التي هي قراءة نافع‬                          ‫سواء إن كان برواية حفص‬
‫مصحف المخللاتي‬                      ‫بن أبي نعيم‪ ،‬والسائدة في المغرب‬                            ‫(‪)180 /796 -90 /709‬‬
                                                                                              ‫المولود بعد وفاة النبي عليه‬
                                          ‫العربي برواية ورش أو في‬                        ‫السلام بثمانين عا ًما والمتوفى بعد‬
                                             ‫السودان برواية قالون‪.‬‬                          ‫وفاة النبي ذاته بمئة وسبعين‬
                                                 ‫بل إن قراءة حفص‬                           ‫عا ًما‪ ،‬عن عاصم بن أبي النجود‬
                                               ‫عن عاصم التي عليها‬                             ‫الكوفي (‪/745 -82 /700‬‬
                                                   ‫المصحف المنتشر‬                          ‫‪ )127‬المولود بعد النبي بسبعة‬
                                              ‫الرسمي حاليًا مأخوذة‬                         ‫عقود في الكوفة‪ ،‬وتوفي وهو في‬
                                                    ‫من شرح الشيخ‬                            ‫الأربعينات من عمره‪ ،‬فهما من‬
                                               ‫المخللاتي‪ ،‬المتوفى عام‬                     ‫نأخذ عنهما القراءة في المصحف‬
                                              ‫‪ 1893‬في القرن التاسع‬                           ‫المنتشر الآن‪ ،‬وهي قراءة من‬
                                              ‫عشر‪ ،‬لقصائد القراءات‬                         ‫عشرات القراءات‪ ،‬بل هي قراءة‬
                                               ‫المنظومة قبله بقرون‪،‬‬                         ‫من عشرين قراءة ُمعترف بها‬
                                                                                              ‫متواترة‪ ،‬بل عاصم هذا ذاته‬
                                            ‫والقواعد التي وضعها في‬                       ‫وصلتنا روايته عن طريقين‪ ،‬وتم‬
                                              ‫مصحفه الذي طبعه في‬                            ‫اختيار واحدة منهما‪ ،‬واختيار‬
                                                ‫المكتبة البهية ‪.1890‬‬                       ‫الواحدة من عشرين والعشرين‬
                                                 ‫النقطة أن المصحف‬                            ‫من عشرات‪ .‬بل هناك قراءات‬
                                                  ‫الرسمي الحالي تم‬
                                               ‫اختياره عبر بشر من‬
                                                 ‫عشرات الاختيارات‬
                                              ‫التي كان من الممكن أن‬
                                              ‫يختاروها‪ .‬وباختيارهم‬
                                              ‫إياها هم ألغوا وه َّمشوا‬
   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161