Page 159 - m
P. 159

‫كان سعي المقاصدية محاولة للخروج‬                                               ‫عبد الرزاق السنهوري‬
       ‫بالفقه ومذاهبه من أسر التغير‬
        ‫السريع للحياة والحاجة الماسة‬                                   ‫والاقتصادي والسياسي والثقافي‬
                                                                        ‫هي المستفيدة‪ .‬في حين لو نظرنا‬
  ‫لمعالجة مستجدات لم ترد على عقل‬                                        ‫في بلد مثل مصر ُتصدر قوانين‬
       ‫ولا ذهن القدماء‪ ،‬وبل وعن أفق‬
                                                                           ‫ولوائح لتنظيم الحياة بها‪ ،‬لما‬
  ‫النصوص ذاتها التي هي بنت قرون‬                                          ‫يقرب من قرنين‪ .‬وبها تجارب‬
‫سابقة‪ .‬عبر محاولة إيجاد قواعد عامه‬                                      ‫برلمانية خلال قرن ونصف‪ .‬بل‬
‫بها شيء من التجريد يمكن الاستناد‬                                         ‫عندها دستور مكتوب ما يقرب‬

        ‫إليها في إنتاج ضوابط للسلوك‬                                        ‫من قرن‪ .‬فحين تنظر للحياة‬
    ‫في المجتمع‪ ،‬مع التغيرات الكبيرة‬                                         ‫القانونية بها خلال قرن من‬
                                                                        ‫الزمان من عشية الحرب العالمية‬
              ‫والشديدة التي يشهدها‪.‬‬                                      ‫الأولى ‪ 1914‬حتى ‪ ،2014‬تجد‬
                                                                         ‫أنه خلال هذا القرن الذي حكم‬
‫ما عندنا من نصوص دساتير أو‬             ‫معناها أن كل النصوص من‬              ‫فيه القانون الطبيعي ولم أقل‬
 ‫قوانين أو لوائح هي مجرد حبر‬      ‫دساتير وقوانين ولوائح ليس لها‬            ‫الدستور‪ ،‬بل القانون‪ .‬وليس‬
 ‫على ورق‪ ،‬ولا تسير إلا على كل‬                                           ‫إعلان القانون الاستثنائي؛ الذي‬
 ‫من ليس له ‪-‬بالتعبير المصري‪-‬‬         ‫محل من الإعراب‪ ،‬وإنها مجرد‬           ‫كان ُيسمى «الأحكام العرفية»‬
‫«ضهر» أو سند‪ .‬وتكون جدالاتنا‬          ‫حبر على ورق‪ .‬وأن الدستور‬             ‫وجعله ضباط يوليو «قانون‬
‫حول نصوص الدستور هي ُمتع‬                                                 ‫الطواريء»‪ .‬إن قانون الطوارئ‬
‫عقلية ورياضات ذهنية نمارسها‬        ‫الفعلي الحاكم المُطبق هو السلطة‬        ‫استمر به العمل ثمانين سنة‪،‬‬
                                      ‫المنفردة المُطلقة التي لا يحدها‬  ‫وعشرين سنة فقط عاشت دولتنا‬
    ‫لكي نشعر بأننا نفكر ونؤثر‬         ‫دستور ولا قانون ولا لائحة‪.‬‬       ‫الحديثة في حكم القانون العادي‪.‬‬
   ‫لكن في عالم افتراضي‪ .‬ويظل‬          ‫ضف على ذلك الموافقة الأمنية‬          ‫إن دلالة أن ثمانين بالمئة من‬
   ‫الواقع له قانونه وله دستوره‬      ‫في كل حاجة في حياتنا حتى لو‬            ‫حياتنا تسير على الطواريء‪،‬‬
 ‫وله لوائحه‪ ،‬وهو أن السلطة في‬         ‫كنت ستفتح مقهى أو شركة‪،‬‬
‫حياتنا ُمطلقة‪ ،‬لا ُتسأل عما تفعل‬      ‫إلى تحديد موضوعات رسائل‬
 ‫ونحن كلنا مسؤولون ومتهمون‬
                                  ‫الماجستير والدكتوراة‪ ..‬إلخ‪ ،‬معنى‬
     ‫أمامها إلى أن يثبت العكس‪.‬‬       ‫الموافقة الأمنية أن كل القوانين‬
 ‫سلطة دينها الإسلام تدافع عنه‬           ‫واللوائح هي مجرد ديكور‪،‬‬
‫وتحتكره وتوظفة للسيطرة علينا‬        ‫فالأمر في النهاية سيكون في يد‬
  ‫ولسلسلتنا باسم حماية الدين‬         ‫ضابط‪ ،‬وما يقوله وما يراه هو‬
                                   ‫الذي سيحدد ما هو قانوني وما‬
     ‫والأخلاق والهوية والمجتمع‬      ‫هو غير قانوني‪ ،‬ما هو مشروع‬
                ‫والأمن القومي‬
                                   ‫وما هو غير مشروع‪ .‬هذا يجعل‬
   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163   164