Page 157 - m
P. 157

‫‪155‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

‫منها تغير المعنى وتغيرت الدلالة‪.‬‬    ‫المصحف‪ .‬فالمصحف عند غالبية‬        ‫تجد التنوع والاختلاف الشاسع‬
 ‫حتى في النصوص القانونية‪ ،‬فما‬        ‫المسلمين تقريبًا قطعي الثبوت‪،‬‬     ‫في تحديد هذه النصوص‪ ،‬حتى‬
                                  ‫وينحصر الأمر فيما بين ‪ 300‬آية‬       ‫في المصحف الذي تم تحجيمه‪ ،‬أو‬
    ‫بالك بخطاب يقوم على المجاز‬    ‫و‪ 500‬آية على حسب من يحصي‪.‬‬           ‫فيما ُنسب إلى النبي من مرويات‪،‬‬
‫وعلى الإيحاء‪ ،‬ويقوم على التعامل‬   ‫وحين تتحدث عن «قطعية الدلالة»‬        ‫هذا في تحديد الخطاب ذاته‪ ،‬فما‬
  ‫مع خيال ومعتقدات وتصورات‬         ‫فهل هناك دلالة قطعية؟ حتى في‬       ‫بالك بفهم هذا الخطاب وتفسيره‬
‫بشر‪ ،‬خصو ًصا من كان منهم في‬         ‫النصوص القانونية التي تسعى‬
‫الحجاز في القرن السابع الميلادي‪،‬‬      ‫أن تكون دقيقة محددة قطعية‬          ‫واستنباط قواعد سلوك منه؟‬
  ‫بتصوراته عن الله وعن الوجود‬         ‫في دلالتها‪ .‬هل هي قطعية‪ ،‬أم‬         ‫وقد يقول المدافعون عن هذه‬
                                  ‫يفسرها بشر من محامين وقضاة‬
  ‫وعن العلاقة بين الله والإنسان‬   ‫ومواطنين ويختلفون و ُيرفع الأمر‬           ‫الدعاوى إن الأمر ليس في‬
                       ‫والعالم‪.‬‬    ‫إلى محكمة أعلى وأعلى لتختار هي‬          ‫الجزئيات‪ ،‬بل الشريعة هي‬
                                  ‫وتحدد الدلالة؟ فالدلالة ليست في‬        ‫المباديء العامة الكلية وليست‬
     ‫ويحاول البعض إنجاز الأمر‬        ‫نص أو في خطاب ويستخرجها‬              ‫الجزئيات‪ ،‬وهو المستند الذي‬
  ‫بالقول إن مباديء الشريعة هي‬                                         ‫استندت إليه المحكمة الدستورية‬
 ‫الكليات أو المقاصد الخمسة التي‬          ‫بشر‪ ،‬المعنى والدلالة نتاج‬        ‫في تفسيرها لهذا النص‪ ،‬بأن‬
  ‫صاغها الفقهاء التراثيين‪ ،‬والتي‬     ‫تفاعلات القاريء مع النص أو‬       ‫المباديء هي «القطعيات»‪« ،‬قطعي‬
                                   ‫الخطاب بسياقاته‪ ،‬وكلما اختلف‬         ‫الثبوت قطعي الدلالة»‪ ،‬أي غير‬
     ‫صاغها الشاطبي في المقاصد‬      ‫أي منهما اختلف المعني وتنوعت‬        ‫المختلف عليه‪ ،‬وهذا الفهم يجعل‬
 ‫الخمسة‪ ،‬من حفظ العقل والدين‬         ‫الدلالة‪ .‬فتعبير «إزيك يا راجل»‬        ‫الأمر محصو ًرا في نصوص‬
‫والعرض ‪-‬الذي استبدلوه بتعبير‬       ‫له معنى حينما يكون من صديق‬
  ‫يناسب عصرهم الحديث بحفظ‬             ‫لصديقه‪ ،‬لكن نفس التعبير له‬
                                    ‫معنى آخر لو كان من طالب في‬
         ‫النسل‪ -‬والمال والنفس‪.‬‬       ‫محاضرة للأستاذ المحاضر في‬
‫والتراثيون حينما كانوا يصيغون‬      ‫الجامعة‪ .‬يختلف عن لو كان هذا‬
                                    ‫أمام رئيس الجامعة ولفيف من‬
       ‫ذلك‪ ،‬كانوا يتصورن أنهم‬         ‫الأساتذة من طالب راسب في‬
      ‫يحددون ما تقصد إليه كل‬
    ‫الديانات‪ ،‬أي الجانب المشترك‬                     ‫الترم السابق‪.‬‬
       ‫الذي تشترك في الإنسانية‬    ‫ويختلف هذا لو كان من طالب هو‬
       ‫بكل الملل‪ .‬لكن هذه النظرة‬
   ‫حين التدقيق فيها وفي تطورها‬      ‫الأول على الدفعة ورئيس اتحاد‬
   ‫التاريخي‪ ،‬ربما نلاحظ أن هذه‬    ‫الطلبة في الجامعة‪ ،‬ويختلف المعنى‬
    ‫المقاصد الخمسة هي انعكاس‬
   ‫لعقوبات الحدود أو مقابل لها‪،‬‬       ‫لو كانت طالبة هي التي قالته‪،‬‬
 ‫فحفظ العرض يستقي حد الزنا‪،‬‬        ‫ولو كانت مفرودة الشعر وتلبس‬
 ‫وحفظ المال يتشرب حد السرقة‪،‬‬
 ‫وحفظ العقل يمتاح عقوبة شرب‬            ‫جينز لاص ًقا عن منقبة‪ ..‬إلخ‪.‬‬
     ‫الخمر‪ ،‬وحفظ الدين يتضمن‬       ‫الدلالة عالم لا نهائي لا يمكن أن‬
      ‫عقوبة الردة‪ ،‬وحفظ النفس‬      ‫يكون «قطعيًّا»‪ .‬دائ ًما يتوقف على‬
   ‫يحتوي حد القتل داخله‪ .‬وكان‬        ‫السياق‪ ،‬فالمعنى ابن السياقات؛‬
‫سعي المقاصدية محاولة للخروج‬       ‫سياقات القارئ وسياقات المقروء‬
   ‫بالفقه ومذاهبه من أسر التغير‬    ‫وسياقات القراءة ذاتها‪ ،‬في عملية‬
  ‫السريع للحياة والحاجة الماسة‬    ‫تفاعل مستمر كلما تغير أي جانب‬
    ‫لمعالجة مستجدات لم ترد على‬
   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161   162