Page 158 - m
P. 158

‫العـدد ‪55‬‬                         ‫‪156‬‬

                                  ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

  ‫السلطة؟ فالسلطة فقط هي التي‬     ‫لكن حتى ما بين أيدينا هو منقول‬      ‫عقل ولا ذهن القدماء‪ ،‬وبل وعن‬
  ‫يكون دينها الإسلام‪ ،‬وهي التي‬       ‫بشر عن كلام الله وفهمهم له‪.‬‬        ‫أفق النصوص ذاتها التي هي‬
   ‫تفسر وتو ِظف الدين في الحياة‬          ‫بعد أن ينص الدستور على‬
   ‫العامة بشرط أن يكون لها هي‬          ‫أن «دين الدولة هو الإسلام»‬      ‫بنت قرون سابقة‪ .‬عبر محاولة‬
 ‫فقط حق الاستخدام والتوظيف‪،‬‬          ‫وبعد أن ينص على أن «مباديء‬       ‫إيجاد قواعد عامه بها شيء من‬
   ‫للسيطرة على الناس من خلال‬        ‫الشريعة الإسلامية هي المصدر‬       ‫التجريد يمكن الاستناد إليها في‬
‫السيطرة على المؤسسات والهيئات‬                                       ‫إنتاج ضوابط للسلوك في المجتمع‪،‬‬
                                    ‫الرئيسي للتشريع»‪ ،‬بعدها بعدة‬       ‫مع التغيرات الكبيرة والشديدة‬
    ‫التي تقوم بالتفسير والدعوة‬    ‫سطور تجد النص «لا يجوز إقامة‬        ‫التي يشهدها‪ .‬والأمر يحتاج إلى‬
‫والدعاية والتواصل مع الجماهير‪،‬‬    ‫أحزاب سياسية على أسس دينية»‪.‬‬       ‫دراسة دقيقة لفكر شخص كعبد‬
                                  ‫فإذا كان للدولة ذاتها دين‪ ،‬فكيف‬      ‫الرزاق السنهوري عن تصوره‬
    ‫لتصبح السلطة في حياتنا هي‬     ‫تج ِّرم مجموعة من الناس يتفقون‬    ‫للشريعة وللفقه في كتابه الوسيط‬
 ‫أكبر مستخدم نفعي للدين وأكبر‬                                           ‫في شرح القانون المدني‪ ،‬أو في‬
                                    ‫مع بعضهم على الدفاع عن دين‬
     ‫مو ِظف له في حياتنا‪ .‬ويكون‬     ‫الدولة‪ ،‬وأن يسعوا إلى تفعيل ما‬      ‫مشروع تقنين الشريعة الذي‬
     ‫صراعها مع جماعات العنف‬         ‫نادى به الدستور ذاته من جعل‬        ‫ناقشه مجلس الشعب المصري‬
     ‫المُسلح الرافعة لشعار الدين‬                                    ‫في نهاية السبعينيات وقت رئاسة‬
     ‫كهوية‪ ،‬هو صراع على نفس‬            ‫مباديء الشريعة هي المصدر‬       ‫صوفي أبوطالب للمجلس‪ .‬ولهذا‬
‫الميدية وعلى استخدامها للسيطرة‬       ‫الرئيسي للتشريع؟ ربما خو ًفا‬
 ‫على الناس‪ ،‬ويكون الخلاف فيما‬     ‫من تفريق الناس على أسس دينية‬                          ‫حديث آخر‪.‬‬
 ‫بينهم فقط في أن كل منهما يريد‬     ‫وطائفية‪ ،‬ولكن أليس حين يكون‬         ‫فكل من يتحدثون عن الشريعة‬
‫أن يكون هو الممسك بالحبل الذي‬      ‫للدولة ذاتها دين فهذا تفريق بين‬
‫تم سلسلة الناس به وجرهم منه؟‬       ‫الناس على أسس دينية وطائفية؟‬           ‫وعن تقنينها يفرقون ‪-‬على‬
   ‫هذا الجانب في محاولة الحرب‬     ‫وجعلهم ليسوا مواطنين متساوين‬        ‫المستوى النظري‪ -‬بين الشريعة‬
      ‫بالنصوص جعل صراعاتنا‬
   ‫هي صراعات حول النصوص‬                ‫أمام الدولة ودينها؟ فهل لب‬       ‫والفقه‪ ،‬ولكن حينما ندخل في‬
‫وبالنصوص‪ ،‬فيكون الصراع بين‬         ‫الأمر وراء هذا التلفيق والتجاور‬      ‫التفاصيل ونتعمق قلي ًل‪ ،‬ربما‬
   ‫دعاة التنوير مع دعاة الأسلمة‬                                     ‫نجد أن الشريعة عندهم ما هي إلا‬
   ‫عبر إبراز أهل التنوير والتقدم‬     ‫في وعينا الحديث يقوم على أن‬    ‫الفقه أو بصورة أخرى هي أصول‬
                                      ‫يكون الدين في الحياة العامة‪،‬‬  ‫الفقه‪ ،‬والتي هي في نهاية منظومة‬
       ‫والليبرالية‪ ..‬إلخ بنصوص‬      ‫لكن أن يكون ُمحتكرا من جانب‬       ‫شامخة وجبارة أنتجها القدماء‪،‬‬
 ‫«حرية الاعتقاد» و»حرية الرأي»‬                                       ‫ولكنها منظومة بشرية تاريخية‪،‬‬
                                                                      ‫ولكن نتيجة لحصرنا هويتنا في‬
     ‫و»المواطنون متساوون أمام‬                                       ‫الإسلام‪ ،‬تحول الفقه إلى الشريعة‬
   ‫القانون» و»عدم قيام الأحزاب‬                                         ‫وتحولت الشريعة إلى الجوانب‬
   ‫على أسس دينية»‪ ،‬و ُيبرز دعاة‬                                         ‫العملية العامة من الفقه‪ ،‬ومن‬
   ‫الأسلمة وحماة الهوية التي تم‬                                        ‫جهد الفقهاء كهوية وليس كما‬
    ‫اختصارها في الدين نصوص‬                                             ‫كان طول الوقت دينًا يقوم على‬
                                                                    ‫إيمان الفرد واقتناعه وتطبيقه هو‬
       ‫«دين الدولة هو الإسلام»‬                                       ‫لما يختار‪ ،‬فالفقه غير ُملزم إلا لمن‬
   ‫و»مباديء الشريعة الإسلامية‬                                         ‫اقتنع بالرأي الفقهي‪ ،‬مرة ثانية‬
                                                                     ‫«الرأي الفقهي»‪ ،‬فما الفقه سوى‬
     ‫المصدر الرئيسي للتشريع»‪.‬‬                                        ‫آراء‪ .‬وما شريعة الله سوى كلام‬
   ‫ويتحول الأمر إلى صراع حول‬                                         ‫الله كما هو عند الله يوم القيامة‪.‬‬
  ‫النصوص وتفسيرها‪ .‬والسلطة‬

     ‫وجماعات النفوذ الاجتماعي‬
   153   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163